«قلناها زمان للمستبد
الحرية جاية لا بد
ليبرتا (Liberta) كانت مكتوبة
يا حكومة بكرة هاتعرفي
بإيدين الشعب هتنضفي
والآية الليلة مقلوبة
قالوا الشغب في دمنا
وإزاي بنطلب حقنا
يا نظام غبي
افهم بقى مطلبي
حرية حرية حرية».

بهذه الكلمات الثورية ارتفعت صيحات جماهير «الأهلي» المصري خلال مباراته مع «نادي مونانا» الغابوني، مساء أول من أمس، في القاهرة، إثر موافقة قوات الأمن على حضور 5 آلاف مشجع فقط، بعد قرار منع دخول المشجعين، وإقامة المباريات من دون جمهور، الذي امتد لسنوات عقاباً للجماهير على هتافاتهم السياسية المطالبة بالحرية.

ذلك «الحضور» نغّص على النظام ليلته، بعدما ظن أنه نجح في كتم كل أصوات الحرية ومنع هتافاتها التي هزّت مصر بأكملها وزلزلت عرش الحكم خلال السنوات الماضية، فكان الردّ عنيفاً وقاسياً تجاه المشجعين.
يروي أحد المشاركين لـ«الأخبار» وقائع ما حدث، قائلاً: «عند الدخول من بوابة الاستاد تعرضنا لمضايقات كثيرة، مثل تغيير بوابات الدخول وغيره، وتفتيش ذاتي بطرق مُهينة، ثم تمّ منع دخول بعض من زملائنا، وأيضاً مُنع إدخال الطرومبيط (الطبلة التي يستخدمونها في التشجيع)»، مضيفاً أنّه «بعد الدخول ومرور الشوط الأول، نجح بعض من زملائنا في إدخال الطرومبيط خلسةً، فدخل بعض من أفراد الأمن من قوة المباحث وحصلت مشادات بينهم وبين مجموعة من زملائنا، ووقع ضرب متبادل، فانطلقت الهتافات في المدرج منا جميعاً. وبعد انتهاء المباراة، تمت محاصرتنا من قوات الأمن، وتم الاعتداء علينا بالضرب المبرح وإلقاء القبض على عدد من زملائنا».
فرقة «ألتراس أهلاوي» تأسّست في شهر نيسان/ابريل 2007 من قبل مجموعة من مشجعي «النادي الأهلي». ومنذ التأسيس، تعرضت لمضايقات واعتداءات من جانب قوات الشرطة، كانت تزداد في أحيان كثيرة، فتتحوّل إلى مواجهات شديدة وعنيفة. وكان لفرق «الألتراس»، على اختلاف الانتماء، دور كبير ومؤثر في الثورة المصرية منذ لحظات اندلاعها الأولى وعلى مدار السنوات التالية، وكان لهم فضل كبير في صدّ اعتداءات الشرطة وهجمات «البلطجية» وراكبي الخيول والأحصنة في «موقعة الجمل» (2 شباط/فبراير 2011)، وما تلى ذلك من مواجهات.
ذلك الدور المؤثر جعلهم في مرمى الأنظمة المتعاقبة وقوات الأمن، فتعرضوا للكثير من حملات التنكيل والقمع عقاباً لهم، كذلك تمّ نصب عدة كمائن لهم، وتنفيذ عدة مجازر بحقهم، كانت أشدها ما جرى في «استاد بورسعيد» الذي شهد مقتل أكثر من 70 فرداً من مشجعي «النادي الأهلي»، في مجزرة دموية وقعت في الأول من شباط/فبراير عام 2012 أثناء مباراة «الأهلي» و«نادي المصري البورسعيدي»، وأيضاً «مجزرة الدفاع الجوي» التي راح ضحيتها أكثر من 20 مشجعاً من «ألتراس نادي الزمالك» أمام بوابة «استاد الدفاع الجوي» في شباط/فبراير عام 2015. وفي ما يخصّ هاتين المجزرتين، يتهم «الألتراس» النظام الحاكم وقوات الأمن بتدبيرهما، علماً بأنّ أعضاء هذه الفرق يتعرضون دورياً لحملات اعتقال من المنازل، وغيرها من مظاهر التنكيل.

غضب مكتوم

بعد انتهاء مباراة أول من أمس، كتبت مجموعة «ألتراس أهلاوي» على صفحتها الرسمية على موقع «فايسبوك»: «بعد أكثر من ثلاث سنوات، يعود جمهور الأهلي إلى الاستاد التاريخي في القاهرة... ألتراس أهلاوي جزء لا يتجزأ من جمهور الأهلي العظيم... وقد تواجدت المجموعة في المدرجات لتشجيع الأهلي فقط، وما حدث غير ذلك ليس لها علاقة به». وجاء ذلك بينما أشارت صفحات أخرى داعمة للمجموعة إلى القبض على أحد الأشخاص من منزله فجراً بعد عودته من المباراة، وهو السلوك الذي اتبعته قوات الأمن مع أفراد مجموعات «الألتراس» خلال سنوات حكم النظام الحالي، ما جعل العشرات منهم يقبعون في السجون والمعتقلات.
جمال عيد، وهو مدير «الشبكة العربية لحقوق الإنسان»، يُعلِّق على ما حدث بالقول: «ما يصيب المجتمع في أغلبه من قمع، يصيب الألتراس. ورغم أن جزءاً كبيراً من هذا المجتمع يُفضِّل الصمت خوفاً، فإنّ أجزاءً منه تصرُّ على المقاومة رفضاً للقمع»، مضيفاً أنّ «الاعتداءات التي تمت دليل إضافي على صحة موقف الألتراس وأمثالهم ممن يصرّون على المقاومة، كما أنّه (رد) فعل طبيعي من النظام البوليسي الحاكم». ويختتم بأنّ «عودة أصوات الجماهير إلى المدرجات لها دلالة واحدة، هي أن الحرية جاية لا بد».
على الرغم من حملات القمع الشديد والاعتقالات التي تطال الآلاف في مصر، وفي ظلّ إخماد الاحتجاجات وإخلاء الشوارع والميادين من الغاضبين والمعارضين، فإنّ هتافات مشجعي «الألتراس»، وقبلها مظاهرات الاعتراض على نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى القدس، وبالأخص مظاهرات الاعتراض على صفقة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، أدلّة تبرهن بوضوح تام على أنّ هناك الكثير من الغضب المكتوم داخل قلوب المصريين، فيما لم يتمكن القمع المتواصل من تمليك اليأس من نفوس الناس.