غزة | لم يعد مستغرباً إيمان الفلسطينيين بأن «المجتمع الدولي» يريد إنهاء وجود «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ــ الأونروا»، بهدف طمس قضية اللاجئين في الشتات. هذه ليست نظرية «المؤامرة» المعروفة لدى العرب، لكن «الأونروا» بالنسبة إلى أبناء المخيمات في مناطق عملها الخمس، ورغم امتعاضهم من تقليصها خدماتها لهم، تبقى الشاهد الدولي الوحيد على «نكبة الفلسطينيين» عام 1948، أي إن إنهاءها يعني انتهاء قضيتهم.
في العامين الماضيين، تصاعدت حدة «الأزمة المالية» التي تعيشها «الأونروا» وتعلنها مراراً، فتأثر الفلسطينيون بسببها بصورة كبيرة. يقول بعضهم إنها «أزمة مصطنعة» على أيدي الدول المانحة ولا مشكلة في السيولة، لكن الهدف من إغلاق «حنفية» المال هو الضغط على السلطة الفلسطينية واللاجئين لقبول أي تسوية قد تطرح عليهم (مثلاً، المبادرة الفرنسية طرحت مشروع توطين اللاجئين في أماكن وجودهم أو ترحيلهم إلى بلدان مستعدة لتوطينهم).
وخلال الشهور الماضية، اتخذت «الأونروا» عدة إجراءات لتخفيف مصاريفها، فأوقفت عدداً من المشاريع التي أطلقتها ما بين الصحية والتعليمية وحتى الترفيهية، إضافة إلى إغلاقها بعض الصفوف الخاصة بالنازحين الفلسطينيين من سوريا. كل هذه الخطوات الاستباقية لم تنفع لحل الأزمة؛ ففي المؤتمر الأخير الذي عقدته في العاصمة الأردنية عمان، قال ممثلو الوكالة إنه «في حال لم تقدم الدول المانحة الدعم المالي»، فإنها ستكون مضطرة إلى تقليص خدماتها، وخاصة القطاع التعليمي، بل أوضحوا أن ذلك يشمل إمكانية تأجيل العام الدراسي.

الفصائل طالبت
عباس برفض الإشراف على المدارس التابعة لـ«الأونروا»


لكن، حتى هذه اللحظة «لا يوجد أي قرار نهائي في ما يتعلق بتأجيل بداية العام الدراسي»، كما يؤكد المستشار الإعلامي لـ«الأونروا» في غزة، عدنان أبو حسنة، الذي شدد في حديث إلى «الأخبار» على أن «الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا حقيقية وغير مسبوقة». وأوضح أبو حسنة أنه في حال لم توفر الدول المانحة الأموال المطلوبة ــ تقدّر بما يزيد على 100 مليون دولار ــ ستضطر «الأونروا» إلى اعتماد خيارات قد يكون تأجيل العام الدراسي أحدها. وقال إن «القرار النهائي في ما يتعلق بهذا الملف سيحسم خلال الأسبوع الثاني من شهر آب» المقبل.
في المقابل، حذر رئيس «اتحاد موظفي الأونروا» سهيل الهندي، في حديث مع «الأخبار»، من أن الوكالة طوال السنوات العشر الماضية تعلن معاناتها المالية، «لكن الدول المانحة ترسل الأموال وتنتهي الأزمة... هذه المرة مختلفة بناءً على قرارات سياسية».
هو الأمر نفسه الذي ذهب إليه عضو المكتب السياسي لـ«حزب الشعب» وليد العوض، فقد رأى أن هذه الإجراءات سياسية وتهدف إلى تصفية قضية اللاجئين. وأوضح العوض أن الفصائل تجري اجتماعات تشاورية لمناقشة تبعات هذه الأزمة، ووضع برنامج يهدف إلى «تنفيذ أنشطة لإيصال رسالة واضحة للأونروا، إضافة إلى إرسال مذكرة للدول المانحة لحثّها على الإيفاء بواجباتها تجاه اللاجئين».
ومن اللافت أن الفصائل طالبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس برفض تسلّم مهمة الإشراف على المدارس التابعة للوكالة وإعفاء «الأونروا» من واجباتها، مشددة على ضرورة التحرك السياسي بشأن الدول المانحة، لأنه «ما لم تنته الأزمة المالية للأونروا فإن الشعب الفلسطيني سينفجر لا محالة، وستسود حالة عدم الاستقرار في دول الشتات وفلسطين».
بالعودة إلى أبو حسنة، فإنه يتفهم «تساؤلات وشكوك» الفلسطينيين حول ما يجري، لأن «الوضع غير عادي، وبالذات في قطاع غزة»، ويبيّن أن «جهوداً جبارة تبذل من أجل حث الدول المانحة على دفع المستحقات المالية وإنهاء الأزمة». وفي هذه الأيام، تشهد مكاتب «الأونروا» في مخيمات الداخل والشتات اعتصامات نفذها اللاجئون رفضاً لاستمرار إغلاق المدارس في مناطق عمليات «الأونروا» لأربعة شهور مقبلة، واحتمال تأجيل الفصل الدراسي إلى بداية العام المقبل. كذلك بدوره حذر المجلس التشريعي من «التوجهات والسياسات الجديدة للأونروا»، واعتبر ذلك بمنزلة «إعلان حرب على اللاجئين».
أما في لبنان، فسيلتقي مسؤولو الفصائل وزراء الخارجية والتربية والصحة للطلب منهم عقد لقاءات مع سفراء الدول المانحة من أجل الضغط عليهم لتوفير المال المطلوب، لأنه في «حال تفاقم سوء الأوضاع الاجتماعية لأبناء المخيمات فإن ذلك سينعكس سلبياً على أمن لبنان»، طبقاً لما أفاد به أحد قيادات حركة «حماس».