مع اقتراب الموعد المفترض لبدء الزعماء الخليجيين زياراتهم المتعاقبة للولايات المتحدة، تزداد فرص نجاح إدارة دونالد ترامب في لمّ شمل حلفائها، قبيل تاريخ القمة الأميركية - الخليجية المنتظر انعقادها الربيع المقبل، تضاؤلاً. يعزّز ذلك التقدير مؤشران: أولهما السلبية والتشاؤم اللذان يسمان معظم التصريحات والتسريبات الصادرة من واشنطن في هذا الإطار، وثانيهما استمرار التصعيد بين أطراف الأزمة التي تشارف على إنهاء عامها الأول، واتخاذه أشكالاً ظلّت، إلى وقت قريب، متوارية لمصلحة الاحتراب الدبلوماسي والإعلامي.«الحرب المالية» هو ما أعلنت قطر، أخيراً، أنها تتعرض لفصل جديد من فصوله، في أحدث وجوه التضييق الواقِع عليها من قِبَل السعودية والإمارات منذ حزيران/ يونيو 2017. إذ توجّه مصرف قطر المركزي، عبر مكتب المحاماة الذي يمثله في الولايات المتحدة، بخطاب إلى وزارة الخزانة الأميركية في 26 شباط/ فبراير الماضي، يطالبها فيه بالتحقيق في ما سمّاها «معاملات مشبوهة» في سوق الصرف الأجنبي، أجرتها الوحدة الأميركية لأكبر بنك في الإمارات، بهدف الإضرار بالاقتصاد القطري.
وجاء في الخطاب، الذي أُرسلت نسخة منه كذلك إلى لجنة تداول عقود السلع الآجلة، أن بنك أبو ظبي الوطني (تملك الحكومة الإماراتية الحصة الأكبر منه)، «شارك في مخطط استثنائي وغير شرعي لشنّ حرب مالية على قطر، بما في ذلك من خلال التلاعب في العملة القطرية وأسواق الأوراق المالية في قطر». وشدد «المركزي القطري»، في رسالته، على ضرورة «أن تتوقف هذه التصرفات على الفور»، داعياً إلى «التحقيق في ما إذا كان بنك أبو ظبي الوطني قد دعم بشكل مباشر أو غير مباشر التلاعب في أسواق قطر، بما في ذلك مقاصة الدولار في بنك أبو ظبي الوطني ــ أميركا، والخدمات المصرفية المقابلة في الولايات المتحدة».
طلب محمد بن زايد أن يكون آخر الملتقين بترامب


ويأتي توجيه هذه الرسالة بعدما كان «المركزي القطري» قد أعلن في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أنه بدأ تحقيقاً قانونياً في «محاولات التلاعب بعملتنا والأوراق المالية والمشتقات المالية»، موضحاً أن المصرف استعان بمكتب «بول وويس وريفكند ووارتون وجاريسون» للمحاماة (وهو نفسه الذي أُرسِل عبره الخطاب الأخير) لقيادة هذا التحقيق. وشكلت «الحرب» على الريال القطري رافعة رئيسة من روافع الحملة المضادة التي أطلقتها الدوحة ضد عواصم المقاطعة، إلا أنها كانت تخبو حيناً لتعاوِد الظهور أحياناً أخرى. ويسود اعتقاد لدى القطريين بأن خصومهم يتعمّدون تداول الريال بينهم عند مستويات ضعيفة بهدف توليد «انطباع خاطئ» عن أن العملة القطرية تتعرض لضغوط، وهو ما تحاول الدوحة مواجهته بسلسلة إجراءات تستهدف تعزيز الريال وتقوية الطلب العالمي عليه. وكانت بنوك عالمية قد أوقفت عمليات شراء الريال القطري بفعل المخاوف التي ولّدها قرار المقاطعة.
وإلى جانب «الحرب المالية»، تأتي «الحرب الإلكترونية» كوجه رئيس وثابت من وجوه النزاع المستعر بين «الأشقاء». وفي آخر تجليات تلك الحرب، أقام مكتب الاتصال الحكومي القطري دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد أشخاص يتهمهم بـ«نشر معلومات كاذبة» عن قطر. وقال المكتب، في الشكوى التي رفعها إلى محكمة في ولاية نيويورك، إن المدعى عليهم استخدموا، منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حسابات تحت اسم «قطر إكسبوزد»، لـ«نشر معلومات سلبية سببت أضراراً لا يمكن إصلاحها لعمليات البلاد وسمعتها». وجاء في الشكوى أن «معظم الأخبار الكاذبة» التي يبثها «قطر إكسبوزد»، الذي يعرّف نفسه بأنه مهتم بـ«ملف الدولة الرائدة في رعاية التطرف في العالم»، «تصل إلى حسابات حقيقية وأشخاص حقيقيين».
هذا الاهتمام المفترض بالتشنيع على قطر والإضرار بها، يعارضه تشديد دول المقاطعة المتواصل على أن الأزمة القطرية لا تشغلها ولا تنال إلا حيزاً ضيقاً من اعتنائها. تشديد كان آخر المعبرين عنه، أمس، وزيرا خارجية مصر والإمارات، في مؤتمر صحافي مشترك عقداه في القاهرة. إذ أشار سامح شكري إلى أن «هذه القضية لا تأخذ حيزاً كبيراً في إطار مناقشة القضايا الثنائية والأوضاع الإقليمية»، مؤكداً أن «الدول الأربع ما زال موقفها ثابتاً من قطر»، فيما لفت عبد الله بن زايد إلى «(أننا) نرحب بعودة قطر للصف العربي إذا تراجعت عن نهجها الداعم للعنف والكراهية».
في خضم ذلك كله، تبدأ، الثلاثاء المقبل، زيارات الزعماء الخليجيين المتتالية للولايات المتحدة، التي أفيد، أول من أمس، عن تعديل في ترتيبها ليصبح ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، آخر الملتقين بالرئيس الأميركي بناءً على طلب من الأول. هذه الزيارات التي يفتتحها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لا يُتوقّع، حتى إذا أفضت إلى موافقة «الشركاء» على حضور قمة كامب ديفيد، أن «تحقق الكثير من المكاسب»، على حد تعبير مسؤول أميركي سابق كبير. وإلى أبعد من ذلك، يذهب مسؤول آخر في تشاؤمه، لافتاً إلى «(أنهم) ليسوا متفقين. ليسوا مستعدين لحل هذه الأزمة». وإذا كانت «حسابات العقل»، وفق مسؤول ثالث، تقتضي «حل هذا الخلاف»؛ بالنظر إلى أنه «لا يصبّ إلا في مصلحة الإيرانيين والسوريين والروس»، فإن «حسابات العاطفة» تدفعهم إلى «الاستمرار (في التنازع) بشكل ما»، ولعلّ مكمن الخطورة هنا أن «المشاعر لا تزال قوية جداً»، بحسب المسؤول نفسه.