الجزائر | لم يُفوِّت الرئيس بوتفليقة، مناسبة «19 مارس»، وهو تاريخ وقف إطلاق النار بين الثوار الجزائريين والمستعمر الفرنسي سنة 1962، ليجدد التواصل مع الجزائريين، عبر رسالة تلاها نيابة عنه وزير المجاهدين الطيب زيتوني، في ولاية النعامة غربي البلاد. وجاءت الرسالة مليئة باستحضار أمجاد الثورة الجزائرية التي تحوّلت مع الوقت إلى أهم مادة سياسية وأيديولوجية تؤثث بها السلطة خطابها السياسي في مواجهة من تصفهم بالمغامرين في الداخل والمتربصين بالخارج.وفي مثال على هذا الخطاب، تُبرز رسالة الرئيس بوتفليقة أن «الجزائريين لم يخنعوا يوماً ولم يستكينوا قط للغزاة، على مدى أكثر من قرن من الاحتلال، فسجلهم التاريخي حافل بالانتفاضات والثورات والنضال الذي أفضى إلى نضج سياسي أدى إلى وعي وطني عميق فجّر في نهاية المطاف ثورة مجيدة وعظيمة بقيت إلى يومنا هذا موضوع إشادة وتقدير ليس من طرف الشعب الجزائري فحسب، بل حتى من أكبر جزء من الإنسانية في العالم».
ويضيف الرئيس الذي لم يخاطب الجزائريين مباشرةً منذ أيار/مايو 2013، بسبب المرض، قائلاً: «إنّ (ذكرى 19 مارس) حدث عظيم شهده الشعب الجزائري... وما كان ليشهده لو لم يفتدِ قضيته العادلة بوثبة عظيمة لشعب كله، شعب قدم أفواجاً عظيمة من المجاهدين والمجاهدات».
وبعد تخصيصه المساحة الأكبر للحديث عن التاريخ، عرّج الرئيس الذي يعجّ مكتبه بالعديد من أسماء كاتبي الرسائل، على معالجة قضايا الحاضر، بنحو تلميحي يبتعد عن الدخول في جدليات الواقع المتشعب. وفي لفتة واضحة إلى الانتخابات الرئاسية المنتظرة في نيسان/أبريل 2019، قال الرئيس بوتفليقة في جزء من رسالته: «يحق للساحة السياسية في بلادنا أن تعرف تنوع البرامج وصراعها، وسعي الجميع للوصول إلى سدّة الحكم، غير أنّ من واجب الجميع المساهمة في هذه الحركة الديموقراطية التعددية مع جعل الجزائر والمصالح العليا لشعبها فوق الجميع».
وتتزامن هذه الإشارات المتعلقة «بحق الجميع في الوصول إلى سدة الحكم»، مع عزوف واضح داخل الجزائر لإعلان نية الترشح للرئاسيات في صفوف المعارضة المتخوفة من إجراء انتخابات شكلية لا تكون فيها حرية التنافس مضمونة. كذلك فإنها تأتي في ظرف يترقب فيه الجميع قرار الرئيس بوتفليقة، الترشح لولاية رئاسية خامسة أو إعلان عدم الترشّح، وهو قرار من شأنه أن يغير كثيراً من معطيات المعادلة الرئاسية، لكون بقاء الرئيس يعني قتل أي منافسة، أما انسحابه فسيُولِّدُ حركية جديدة، بظهور أكثر من مرشح حتى في صفوف الموالين للسلطة ذاتها، وقد يكون أيضاً دافعاً للمعارضة لأن تقدم مرشحين.
وبالمثل، تضمنت رسالة بوتفليقة إشارات إلى الوضع الحقوقي في البلاد، الذي يوصف بالمقلق من قبل المنظمات المختصة محلياً ودولياً. ووفق الرئيس بوتفليقة، فإنّ «من الضروري أن يستمر مجتمعنا في ترقية ثقافة الحقوق والحريات مع الحفاظ على المصالح الجماعية والعليا لمجتمعنا». واللافت في هذه الفقرة، أن الرئيس يريد التنبيه إلى عدم استخدام أساليب غير قانونية للمطالبة بهذه الحقوق، وهو موضوع نقاش ساخن في الجزائر التي لا تزال تُحرّم التظاهرات والاحتجاجات في عاصمتها إلى اليوم.
وفي الجانب الاقتصادي، تقوم فكرة بوتفليقة ــ وفق نص رسالته ــ على ضرورة الاستلهام من الماضي الأليم الذي عاشه الجزائريون في كنف الاستعمار، من أجل مواجهة الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه البلاد اليوم. وفي هذا الصدد، ورد في الرسالة: «إنّ بلادنا التي تُعاني مرة أخرى من تقلبات السوق العالمية، (التي) أدت إلى فقدان نصف مداخيلها الخارجية... تصمد مرة أخرى وتسهر في كنف السيادة على تعبئة قدراتها لاجتياز هذا المنعرج الصعب، والحفاظ على مسار البناء والتشييد، والإقبال على اقتصاد متحرر من التبعية المفرطة للمحروقات». وتابع في نفس السياق: «صحيح أنّ المسيرة الباهرة التي استمرت بها الجزائر المستقلة طوال عقود من الزمن قد تأثرت من جراء تقلبات اقتصادية عالمية، وبعدها من مأساة وطنية أليمة (في إشارة إلى العشرية السوداء)، غير أن الشعب الجزائري العظيم الذي لا تزال تلهمه روح نوفمبر، عرف كيف يحرك همه في الصمود والمقاومات واستبقاء الدولة الجزائرية المستقلة».
من جهة أخرى، تواجه المعارضة باستهجان مثل هذه الرسائل، إذ تعتبرها بعض الأحزاب، مثل «طلائع الحريات» الذي يقوده علي بن فليس، «دليلاً على شغور الرئاسة». ويشير حزب «جيل جديد» الذي يتزعمه جيلالي سفيان، إلى أن استمرار مخاطبة الشعب بالرسائل، من بين أدلة وجوب تطبيق المادة الدستورية الخاصة بعزل الرئيس بسبب ظروفه الصحية. لكنّ هذه الدعوات كلها خفتت مع الوقت، لكون الرئيس بوتفليقة لا يزال مستمراً في الحكم بالأسلوب نفسه منذ إعادة انتخابه في 2014 لولايته الرئاسية الرابعة.
***
لم يخاطب بوتفليقة الجزائريين مباشرةً منذ أيار 2013