يكاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لا يمل من تكرار المواقف نفسها إزاء الاتفاق النووي الإيراني، بعدما باتت خياراته ضيقة في مواجهته. في الوقت نفسه، من الصعب على إسرائيل التكيّف مع التحول الاستراتيجي والتاريخي الذي ينطوي عليه الاتفاق. على هذه الخلفية، كان لا بد من جديد يقدمه نتنياهو، ووقع اختياره هذه المرة على محاولة تقديم شحنة لتزخيم الحملة الإسرائيلية والأميركية الداخلية على الاتفاق. وهو ما انطوى عليه موقفه أمس، بأن «اليوم الأفضل للاتفاق كان يوم التوقيع عليه. وكل يوم يمر يزداد عدد معارضي الاتفاق. وكلما عرف عنه المرء أكثر، يعارضه أكثر».
ونقل موقع «واللا» العبري عن نتنياهو قوله، خلال لقائه مع عدد من المراسلين، «عندما ندرس الاتفاق، من الواضح أنه يفتح طريقين أمام إيران إلى القنبلة، بمدى زمني يتراوح بين 10 و15 سنة، وفي حينه تكون المسافة الفاصلة صفر». وأضاف نتنياهو «إذا لم يمر الاتفاق في الكونغرس فسيمنع ذلك أكبر خطر بتحول إيران إلى دولة عظمى حافة نووية، خلال عشر سنوات».
وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية أن «الاتفاق النووي ليس موضوعاً حزبياً، لا في الولايات المتحدة ولا في إسرائيل. ومن يريد تحويله إلى ذلك، يريد التهرب من القضية الحقيقية»، لافتاً إلى أنه عندما «نشخِّص تهديداً وجودياً لا يعني أن نخضع له، ويوجد لدينا مصلحة وحاجة حيوية في تسليط الأضواء على الأخطار الكامنة في هذا الاتفاق». وشدد نتنياهو على أنه لا يزال يعتقد، كما في الماضي، بـ»أن هذا الاتفاق سيئ. الأفضل أن لا يكون هناك اتفاق من أن يكون مثل هذا الاتفاق».
وفي ما يتعلق بزيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للمنطقة من دون زيارة إسرائيل، قال نتنياهو «قلت لكيري إنه دائماً مدعو لزيارة إسرائيل» مضيفاً «ما الذي يوجد هنا من أجل أن يصل (جون) كيري إلى هنا؟ نحن لسنا جزءاً من الاتفاق وغير ملزمين به».
مع ذلك، أوضح نتنياهو أن العلاقات مع الولايات المتحدة متينة على الرغم من الخلافات العميقة بين الطرفين. وحذر من الثغَر التي ينطوي عليها الاتفاق، موضحاً أن إيران ستتمكن مع انتهاء سريان مفعوله من إنتاج عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي، وبالتالي صناعة عشرات القنابل النووية خلال فترة قصيرة.
في سياق متصل، اعتبر المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، خلال محاضرة ألقاها في نيويورك عن الاتفاق النووي أن «الدول العربية السنية في الشرق الأوسط هي حلفاء إسرائيل». ومن أجل تعبيد الطريق أمام تحالف كهذا، بما يوفر لإسرائيل مظلة عربية في مواجهة محور المقاومة، كان لا بد من أن يتحدث غولد عما سماه «نظام إيراني يحاول غزو الشرق الأوسط» وهو التعبير الإسرائيلي الذي يحاول من خلاله توسيع دائرة المتضررين من التهديدات المحدقة بإسرائيل، في نسخة مطابقة للاستراتيجية نفسها التي اتبعتها في مواجهة إيران النووية، وعندما تحدثت بشكل رسمي عن أن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل تهديداً لإسرائيل فقط، بل للعالم بأسره. لكن هذه السياسة لم تنفع في استدراج الدول الكبرى إلى مواجهة مع إيران، أما مع الدول العربية فالقضية مختلفة، والرهانات لدى إسرائيل مرتفعة، وخاصة أن الخطاب الذي يتبناه الإسرائيلي وعدد من زعماء الدول العربية متشابه إزاء إيران. وشارك في المحاضرة، التي نظمتها المنظمات اليهودية الأميركية، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية والرئيس الحالي لمعهد «أبحاث الأمن القومي»، اللواء عاموس يادلين، الذي اعتبر أن الإنجازات القصيرة المدى لتجميد البرنامج النووي الإيراني ستتحول إلى «كارثة» على المدى الطويل حين يتم ترك إيران مدة 15 عاماً.
وبحث كل من غولد ويادلين، ما يجب أن تقوم به إسرائيل في حال المصادقة على الاتفاق، رغم المعارضة التي يواجهها في الكونغرس. وأوضح يادلين أنه يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة التوصل إلى «اتفاق متوازن» بهدف تعميق جمع المعلومات الاستخبارية حول إيران، واكتشاف محاولات الخرق الإيرانية التي تستوجب رداً أميركياً، وتحسين القدرات الصاروخية الدفاعية لإسرائيل، وتعزيز صدقية الخيار العسكري ضد إيران. ورأى غولد أن «من واجب إسرائيل التحذير من مخاطر الصفقة الآن، لكن في حال المصادقة عليها، فمن واجب الحكومة الإسرائيلية والأميركية إيجاد السبل معاً لمعالجة التحديات العملية للاتفاق الحالي.