عاش محيط العاصمة السورية دمشق، هدوءاً خلال اليومين الماضيين اللذين شهدا إجلاء آلاف المسلحين والمدنيين من بلدات الجيب الجنوبي في غوطة دمشق الشرقية نحو إدلب وجوارها. توقفت العمليات العسكرية، وتركز الاهتمام على بلدة عربين والطريق منها إلى حرستا، التي غادرتها حتى أمس دفعتان من الحافلات، على أن يتم استكمال العملية اليوم وحتى نقل كامل الرافضين للبقاء والتسوية. ما يقارب 2300 مدني ومسلّح خرجوا من عربين ومحيطها، فيما تسلّم الجيش 8 أشخاص كانوا مختطفين لدى الفصائل المسلحة. وعلى المقلب الآخر، خرج من الجيب الذي يسيطر عليه «جيش الإسلام» في دوما أكثر من ألف مدني عبر مخيم الوافدين، حيث تم نقلهم نحو مراكز إقامة مؤقتة، وذلك بعد خروج نحو 1700 مدني آخرين أول من أمس.التسوية التي أنهت الوجود المسلح في أبرز البلدات المحيطة بدمشق من الشرق، تسببت بشقاق داخلي واسع بين أهم فصيلين نشطا في الغوطة الشرقية، هما «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام». الأخير استغلّ قبول «فيلق الرحمن» التسوية التي صاغتها روسيا، لشن حملة واسعة تصنّف «الفيلق» على أن «خائن» ترك «جيش الإسلام» وحيداً في محيط العاصمة. في المقابل، أشار المتحدث باسم «فيلق الرحمن»، وائل علوان، في حديث تلفزيوني، إلى أن «جيش الإسلام» يخوض بدوره مفاوضات مع الجانب الروسي، للتوصل إلى تسوية شاملة تترك مقاتليه داخل دوما لتكون «رديفة للقوات الروسية... أو أشبه بقوات الدفاع الوطني». وحمّل علوان مسؤولية حصار الجيش السوري للبلدات التي كان يتمركز فيها (الفيلق)، في عربين ومحيطها، إلى الانحسار المفاجئ والسريع لقوات «جيش الإسلام» من 8 بلدات، بينها النشابية وأوتايا، نحو مدينة دوما.
حمّل «فيلق الرحمن» مسؤولية سقوط معاقله إلى انسحابات «جيش الإسلام»


الحديث الأخير عن تسوية في بلدة دوما هي أقرب إلى «مصالحة» من إجلاء نحو إدلب، حضر أمس لدى عدة أوساط معارضة، أكدت أن التفاوض مستمر مع الجانب الروسي، وتم تسليمه عرضاً للتسوية، في انتظار موافقته عليه، فيما تداولت أوساط معارضة أخرى طرحاً مختلفاً، يتضمن خروج مسلحي «جيش الإسلام» إلى منطقة القلمون الشرقي. واللافت في المفاوضات الخاصة بدوما، أن احتمالات الوجهة المفترضة لأي عملية إجلاء، ضيقة جداً، مقارنة بما جرى مع «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» و«فيلق الرحمن». إذ لا تجمع «جيش الإسلام» علاقة طيبة مع الفصائل المسيطرة في إدلب ومحيطها، بينما رفضت الدولة السورية أي إجلاء لأي فصيل باتجاه المنطقة الجنوبية، التي كانت خياراً مقبولاً لمسلحي «الجيش». وفي السياق نفسه، أشار المتحدث باسم «فيلق الرحمن» أمس، إلى أن «جيش الإسلام» كوّن عداوات مع جميع الأطراف «ولا توجد منطقة يمكنه الخروج إليها».
وبالتوازي، شهد الشمال السوري تطوراً لافتاً تمثّل بإعلان الرئيس رجب طيب أردوغان نية بلاده استكمال عملية «غصن الزيتون» بالسيطرة على بلدة تل رفعت، في ريف حلب الشمالي. المنطقة التي شهدت سابقاً ما يشبه اتفاق «تخفيض التصعيد» بين الجانبين الروسي والتركي، عادت إلى الواجهة بعد وصول أعداد كبيرة من المدنيين النازحين من عفرين إليها. وكانت قوات حليفة للجيش السوري قد دخلت البلدة عقب اقتراب القوات التركية من محيط الطريق بين نبل والزهراء ومنّغ. وأتى الحديث التركي بعد إعلان قيادة «غصن الزيتون» العسكرية انتهاء العمليات في عفرين، ما ولّد موجة احتجاج لدى الفصائل العاملة في مناطق «درع الفرات»، والتي تضم عدداً من أبناء البلدة ومحيطها. وقال أردوغان إن «أشقاءنا يبعثون برسائل يطالبون فيها تركيا بإحلال الأمن والاستقرار، بدءاً من تل رفعت ومنبج وتل أبيض ورأس العين وكل المناطق هناك... إن شاء الله لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه نداءاتهم وسنلبي طلبهم». وفي السياق نفسه، أوضح أن «على الولايات المتحدة أن تتسلّم السيطرة في منبج من (وحدات حماية الشعب) وتسليم المنطقة إلى أصحابها الحقيقيين»، مضيفاً أنه «في حال عدم إخراج التنظيم منها، فإننا سنضطر الى تحقيق ذلك مع سكان المنطقة». وبالتوازي، شهدت مناطق سيطرة القوات التركية في عفرين ومحيط الباب، أمس، اشتباكات بين اثنين من أبرز التشكيلات من بقايا «الجيش الحر»، وهما «أحرار الشرقية» و«فرقة الحمزة». وردّت بعض المصادر المعارضة التصعيد بين الفصيلين، إلى محاولة تحييد القياديين الذين احتجوا سابقاً على حصر العمليات العسكرية بمنطقة عفرين وتحييد تل رفعت، قبل أن ينتهي الخلاف بتوقيع صلح بوساطة من الجيش التركي.