الجزائر | يوم الإثنين الماضي، انتقد وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى الفتاوى التي جاءت في ورقة كان قد نشرها زعيم السلفية محمد علي فركوس، في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، واعتبرها فتنةً ومساراً خطيراً يهدد وحدة الامة. وفي مداخلة أمام ملتقى دولي حاشد حول التصوف، انعقد في مدينة غليزان تحت عنوان «التربية الروحية ودورها في تعزيز السلم»، قال عيسى إنّ «مدرسة كان يُعتقد أنّها تريد أن تنتمي لأسلاف الأمة، أعلنت منذ أيام عن فكر إقصائي تختزل من خلاله الانتماء للسنة والجماعة في مجموعتها فقط، مخرجةً أغلب الأمة من دائرة هذا الانتماء».وفي ما يُشبه استعراض عضلات، أعلن الوزير الجزائري أنّ «الدولة ستتولى مواجهة هذه الأفكار المنحرفة، وسيتم تطبيق القانون على أصحابها، ولن يتم التغافل عن هذه الممارسات مثلما كان يجري في السابق حتى لا تتغلغل في عقول أبنائنا، وفي مدارسهم ومساجدهم وجامعاتهم، وحتى لا تكون سبباً من جديد في إراقة دماء الجزائريين». وبحضور سفير السعودية المُتّهمة باحتضانها لتلك المجموعات، دعا أئمة المساجد إلى تخصيص دروس لمحاربة الأفكار «المنحرفة والهدامة». جدير بالذكر أنّ أستاذ «كرسي التصوف والدراسات الإسلامية في جامعة الجزائر»، محمد بن بريكة، شرح في مقابلة أجرتها «الأخبار» معه (23 آذار/ مارس الجاري)، أنّ «هذا التيار التكفيري يزداد نفاذاً يوماً بعد يوم... وذلك كله في غفلة من السلطة التي نجد أطرافاً داخلها تخاطبهم (خطاباً) وديعاً وتحاول أن تتحالف معهم أحياناً، بل نجدها كأنها سفيرة للدولة السعودية»، في هجوم واضح على سياسات وزير الشؤون الدينية.
في السياق، تحركت «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، وهي أقدم منظمة دينية ثقافية في البلاد تأسست عام 1930، لمواجهة الموقف ونشرت مقالات في الصحف وأصدرت بيانين متتاليين ندّدت فيهما بما ذهب إليه زعيم «التيار المدخلي» من نشر للفكر الإقصائي وإثارة الفتنة في البلاد. وأكدت أنّ هذا التيار دخيل على الجزائر ودعت الدولة والمجتمع إلى مقاومته. كذلك دعت الجمعية أتباعها إلى تنظيم ندوات فكرية حول التسامح والتآخي ونبذ الإقصاء والتكفير. وحذرت هذه الجمعية التي يدور نشاطها في فلك السلطة من التهاون والاستخفاف بمثل هذا النوع من السلوك.
كان ربيع المدخلي قد عيّن علي فركوس لرأب الصدع في بيت السلفية


إذا كان الشكل العام للجدل يبدو كما لو أنّه تسابق بين قوى إسلامية، منها المرتبطة بالنظام ومنها المرتبطة بأجندات خارجية، على وعاء كبير من الأتباع الاسلاميين ومن ذوي المستوى السياسي والأيديولوجي والثقافي البسيط على العموم، فإنّ الأمر استدرج فئات كثيرة ممن لا علاقة لهم بالجدل الديني، لكون فتاوى زعيم السلفية في الجزائر امتدت للتجنّي على قوى سياسية واجتماعية واسعة. فقد تضمنت، من بين ما تضمنته، الهجوم على من يشاركون في الاحتجاجات والمسيرات المطلبية، ومن يعملون حول حقوق المرأة، لأنّ ذلك بحسبه «خروج على أولي الأمر». وردّ آلاف من العمال والطلاب والناشطين والناشطات في المجال الحقوقي على هذه الفتوى بالكلام الساخر في معظم الأحيان، خاصة أنّها جاءت في وقت التهبت فيه الساحة الاجتماعية بإضرابات طويلة في قطاعي التعليم والصحة، تُطالب بتحسين ظروف العمل.
لكن، وربما انطلاقاً من موقفه بشأن الاحتجاجات لناحية «الوقوف والامتثال لولاة الأمر»، رأى كثيرون أنّ شيخ السلفية يخدم النظام، حتى وإن بدا خطيراً في شق آخر. وثمة كتابات أشارت إلى أنّه يملك أنصاراً حتى على مستوى قصر الرئاسة، وأنّ تهديدات وزير الأوقاف قد لا تكون إلا ذراً للرماد في العيون، ومحاولة استقطاب لكسب ودّ فئات اجتماعية من خارج التيار السلفي كانت قد مسّتها الفتاوى الضالة لفركوس، وفي مقدمتها الأساتذة والأطباء المضربون.
أيضاً، إذا كانت فتاوى رجل السلفية الأوّل في الجزائر قد أثارت هذا القدر الكبير من ردود الفعل، فإنّ تهديده من قبل وزير الشؤون الدينية أثار بدوره موجة استنكار، حتى من قبل كثيرين ممن يعارضون تلك الفتاوى، وذلك من باب أنّ «حرية الرأي مكفولة» والنقاش في المجتمع عامل يساعد على «الاستقرار والطمأنينة». وأضاف هؤلاء أنّ الموقف الخطأ يُجابه بالموقف السليم، وليس «بقهر القانون وعصا الشرطة».
جدير بالذكر أنّ ربيع المدخلي، وهو شيخ المذهب المسمى باسمه (التيار المدخلي)، كان قد عيّن في شباط/ فيفري الماضي محمد علي فركوس وعز الدين رمضاني لرأب الصدع في بيت السلفية (في الجزائر)، وذلك من خلال جمع الأقطاب المتناحرة حول هدف توسيع الدعوة وتطوير أدائها. وسعى فركوس لتحقيق الغرض، لكنه فشل حتى الآن، فيما لا تزال الخلافات قائمة ويتعرض هو شخصياً لحملة شرسة يشنّها أتباع شيوخ آخرين في السلفية.