لم يحظَ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته «الخروج من سوريا في وقت قريب جداً» ــ حتى الآن ــ بالاهتمام الإسرائيلي العلني المتناسب، لا على المستوى الرسمي ولا حتى على المستوى الاعلامي. وبطبيعة الحال، لا يعود ذلك إلى أنّ تل أبيب غير معنية بهذا الحدث، أو لكونها في منأى عن تداعياته، بل إن حساسية هذا الموقف ومفاعيله الاستراتيجية هي التي تقف وراء الانكفاء الرسمي عن التعليق المباشر والعلني على هذه الخطوة، والانضباط شبه الكامل لوسائل الاعلام التي كان يفترض أن تستفيض في مقاربة هذا السيناريو شرحاً وتحليلاً، وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج وعلاقته بالمحطات والسياقات الأخرى على المستوى الاقليمي.يتعارض هذا الموقف بشكل جذري مع المساعي والجهود التي تبذلها تل أبيب من أجل توريط الولايات المتحدة في الساحة السورية، على أمل أن يسهم ذلك في إعادة تعديل موازين القوى، أو على الأقل إحداث قدر من التوازن في مقابل تحالف محور المقاومة وروسيا. بل إن إسرائيل تُحمّل الولايات المتحدة، وتحديداً إدارة باراك أوباما، مسؤولية ما آلت اليه المعركة الدائرة في الساحة السورية. وبالتالي، في حال نفَّذ ترامب قراره، سيكون لذلك وقع الصدمة على صنّاع القرار في تل أبيب، وصفعة مدوية لكل رهاناتهم، وتحديداً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصياً، الذي عاد من زيارته الأخيرة من واشنطن وهو يُسوِّق لمقولة أن الايام ستثبت كم أن هذه الزيارة حققت الأمن لإسرائيل.
وسواء تم تنفيذ هذا الاعلان في فترة قريبة أو تم تأجيله إلى مرحلة لاحقة، تعزَّز لدى إسرائيل ما كانت تتخوف منه، وهي أن عليها الحذر من قرارات ترامب المفاجئة. لكنه كشف أيضاً عن حقيقة أن ما تواجهه الولايات المتحدة ليس أزمة رئاسة بقدر ما هو أزمة امبراطورية، أياً كان الرئيس الذي يتولى قيادتها.
قد يكون من المبكر التركيز على مفاعيل هذا المسار على الساحتين الاقليمية والإسرائيلية، لكن من الواضح أنه سيُعمّق المأزق الإسرائيلي، ويرفع مستوى القلق لدى تل أبيب إزاء مستقبل خيارات الرئيس الأميركي، ويضع صانع القرار أمام محطة مفصلية حول الخيار الواجب اتباعه، ويدفعه إلى إعادة دراسة البيئة الاقليمية بمعايير مختلفة، والتمييز بين الرهانات الواقعية والأخرى التي هي أقرب إلى الأماني. وليس من المبالغة القول إنه بقدر ما تلوذ إسرائيل الرسمية بالصمت – كما حصل حتى الآن – إزاء قرار بهذا الحجم، يُعبّر عن قلقها العميق على تداعيات هذا السيناريو – فيما لو انتقل الى حيّز التنفيذ – على مكانتها الاستراتيجية وعلى مستقبل المعادلات الاقليمية.
توازي مفاجأة إعلان ترامب في رسائله وتداعياته – ودائماً في ما لو فشلت محاولات ثنيه عن تنفيذه ــ قرار التدخل الروسي وما ترتب عليه من نتائج وتداعيات تتصل بالساحتين السورية والاقليمية. وسينطوي على رسائل باتت حاضرة منذ الآن لدى كلّ من أعداء الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة، كلٌ من موقعه.
انكفاء رسمي وإعلامي عن التعليق على خطوة ترامب السورية


على هذه الخلفية، لا يتوقع أن تقف إسرائيل ومعها الرياض، كما ورد على لسان ولي العهد محمد بن سلمان، مكتوفتي الأيدي وسيكافحان بكل ما يملكانه من وسائل ضغط وتأثير في الإدارة الأميركية من أجل ثني ترامب عن تنفيذ هذا القرار. ويبدو أن شبه الصمت الاسرائيلي عن هذا الخيار هو جزء من تكتيك هذا المسعى، الذي تبادل فيه الطرفان السعودي والاسرائيلي الادوار، بالقياس إلى الموقف من الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، وهو ما أشار إليه نائب رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية في القدس، عيران ليرمان، بالقول إن «السعودية تصرخ علناً... وإسرائيل تلعن خلف أبواب مغلقة»، بينما خلال المفاوضات النووية، كانت «إسرائيل تصرخ علناً والسعودية تلعن خلف أبواب مغلقة». ولفت ليرمان إلى أن تقاسم الأدوار بين الرياض وتل أبيب يخدم مصلحة إسرائيل، مضيفاً أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا ستكون له عواقب سلبية للغاية بالنسبة إلى إسرائيل والمنطقة، وموضحاً «في الوقت الحالي، بما أن السعوديين أخذوا على عاتقهم التكلم، أعتقد أنه يمكننا قبول دور الداعم». ولفت في هذا الاطار إلى أنه منذ إعلان ترامب، «لم يصرّح أي مسؤول إسرائيلي رسمياً بما سيعنيه ذلك لإسرائيل والمنطقة».
وأكد ليرمان عدم دهشته من ردّ فعل ولي العهد السعودي، «السريع جداً»، الذي أوضح لـ«تايم» أنّ «الوجود الأميركي في شرق سوريا... هو أمر ضروري ليكون بمثابة مكابح لخطط إيران لإقامة جسر بري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان». وحذر من أنه «إذا أخرجت تلك القوات من شرق سوريا، فسوف تخسرون هذا الحاجز. هذا الممر يمكن أن يخلق الكثير من الأشياء في المنطقة». في المقابل، رأى نائب رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية في القدس أن «إسرائيل ليست مستعجلة كي تعارض ترامب علنا​​ً، ومن المريح ترك السعوديين يتألقون الآن في هذا الدور». وبالنسبة إلى ما يفترض أن تقوم به إسرائيل في هذه القضية المفصلية، أكد ليرمان أن عليها أن تعمل من أجل تعزيز معارضي قرار ترامب في الادارة الاميركية وفي الكونغرس، والذين يدعونه إلى «التفكير مرتين» في تنفيذ هذه السياسة. وعبَّر عن أمنيته بأن ينتظر ترامب تنفيذ إعلانه الى أن يتم تشكيل فريق الأمن القومي الجديد ــ مايك بومبيو في وزارة الخارجية، وجون بولتون في مجلس الأمن القومي، ورئيسة السي آي إيه الجديدة جينا هاسبل ــ كونهم «جميعاً مقاتلين»، لسماع حكمهم بشأن هذه المسألة.
وفي ما يتعلق بتأثير هذا الموقف على القرار المرتقب في الثاني عشر من أيار المقبل، رأى ليرمان أن هناك تناقضاً بين قرار الانسحاب من سوريا، وقرار إلغاء الصفقة النووية الإيرانية، كونه سيؤدي إلى تمكين الإيرانيين من مضاعفة وجودهم في سوريا. لكنه أضاف أنها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها تناقضات في سياسات ترامب. وتوقف ليرمان عند جانب من التداعيات التي يمكن أن تترتب على هذا القرار بالقول إنه في حال تم تنفيذه، فإن «قلة قليلة من الناس ستكون على استعداد للمخاطرة بمساعدة أميركا في المستقبل». وتنبّأ بأن عواقبه ستكون خطيرة للغاية، وقوات سوريا الديمقراطية «لن تكون قوية بما يكفي لتحمل ضغوط إيران لتوسيع ما يسمى الجسر البري من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان».
في سياق متصل، حذر أحد أكبر أعضاء مجلس الشيوخ، وعضو لجنة القوات المسلحة فيه، السيناتور لينزي غراهام، في حديث إلى قناة «فوكس نيوز»، من أنه «سيكون أسوأ قرار منفرد يمكن أن يتخذه الرئيس». وعكس موقفه صدى مخاوف مستشاري البيت الابيض من انسحاب سريع للقوات الاميركية، بالقول إن «هذه كارثة قيد الإعداد»، مضيفاً أنه في حال انسحبنا «ستخرج الحرب بين تركيا والأكراد عن السيطرة وستُمنح دمشق للإيرانيين دون وجود أميركي». وكشف عن أن «مستشاري ترامب يعتقدون أن الجيش الأميركي يحتاج إلى البقاء في سوريا بأعداد صغيرة عامين آخرين على الأقل». لكنه أكد أن الرئيس غير راض عن هذه النصيحة، وفي الوقت نفسه، رأى أنه ليس من الواضح إذا ما كان سيأمر فعلاً بسحب القوات من سوريا.