دعوات قابلتها بغداد بالتعهد بإطلاق برنامج لإعادة النازحين، بالتوازي مع استمرار إجراءاتها العسكرية لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب عناصر «بي كا كا» نحو مناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا. وفي ضوء انتشار صور وفيديوات تظهر عملية انسحاب أولئك العناصر الذين شيّعهم مؤيدوهم الأيزيديون في «احتشاد وداعي» وفق ما أظهرت الصور، بدا واضحاً أن العملية تمت بالاتفاق بين القوات العراقية ومقاتلي «بي كا كا»، وبالتنسيق مع السلطات التركية. وهذا ما كان قد أكده رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية، حاكم الزاملي، بقوله إن «الاتصالات الرسمية توالت بين الطرفين (بغداد وأنقرة)، ما يعطي انطباعاً بوجود تنسيق جيد بينهما». وهو انطباعٌ يعزّزه كذلك تراجع حدة التهديدات التركية باقتحام سنجار، على الرغم من تواصل القصف الجوي على مواقع «حزب العمال» شمالي العراق، في محاولة على ما يبدو لإبقاء السلطات العراقية تحت الضغط الميداني.
يفترض أن تشهد الأيام المقبلة عمليات جديدة ضد فلول «داعش» في كركوك
هل ستكتفي أنقرة بذلك؟ تشكّك فعاليات محلية في سنجار في أن يؤدي انسحاب «بي كا كا» إلى استبعاد الخيارات العسكرية نهائياً، في وقت يؤكد فيه مركز «ستراتفور» الاستخباري الأميركي أن إجراءات بغداد في القضاء «لن تخفف من تصميم أنقرة على محاربة حزب العمال شمالي العراق». لكن «ستراتفور» يضع أمام التطلعات التركية جملة معوّقات لم تكن تعترض تركيا في تجربتها شماليّ سوريا، في مقدمها انتشار وحدات «الحشد» في مناطق حول سنجار. وعلى المقلب العراقي، يلفت المركز إلى أن سلطات بغداد لا ترغب حالياً في السماح لقوات تركية بالوصول إلى أراضيها، كون هذا السيناريو يعدّ في نظر كثيرين تعريضاً لسيادة البلاد للخطر، وهو ما يحوز أهمية خاصة مع قرب الاستحقاق الانتخابي في أيار/ مايو المقبل. لكن تقرير «ستراتفور» يستدرك بأن عملية عراقية ــ تركية مشتركة ضد «حزب العمال» قد تكون ممكنة بعد انتهاء الانتخابات.
على خط موازٍ، وبعد أيام من تحذير رئيس الوزراء حيدر العبادي من «تكرار كارثة الانهيار العسكري والأمني»، انطلقت، صباح السبت الماضي، حملة أمنية جديدة في المناطق الواقعة جنوب كركوك، والتي كانت قد شهدت خلال الشهرين الماضيين حوادث متعددة نفذها عناصر «داعش» المتبقون هناك ضد قوات من «الحشد» ومواطنين، وتمثل آخرها في احتجاز 13 عنصراً من «الحشد» (الأربعاء الفائت) على الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، سرعان ما نشر التنظيم صوراً لإعدامهم. وفي هذا الإطار، تحدث بعض وسائل الإعلام العراقية عن أن القوات المشارِكة في الحملة المذكورة، والتي كان من بين أهدافها الوصول إلى جثامين العناصر الذين أعدمهم «داعش»، لم تتمكن من مواصلة عملياتها بسبب إطلاق النار عليها من قبل قوات «البيشمركة» المتمركزة في جنوب كركوك، ما حملها على الانسحاب. لكن مصادر ميدانية أوضحت، في تصريح إلى «الأخبار»، أن الحديث لا يدور عن حملة بما تعنيه الكلمة، بل عن عمليات أمنية متلاحقة تستهدف القضاء على فلول «داعش»، وتأمين طريق بغداد ــ كركوك. وبيّنت المصادر أن العملية الأخيرة (السبت) لم يكن مقرراً لها أن تستمرّ أكثر من يوم واحد، مشيرة إلى أنها أدّت إلى «تطهير 20 قرية، واعتقال مطلوبين من الانفصاليين والدواعش»، مؤكدة أن «عمليات أخرى ستتبعها خلال الأيام المقبلة».
ولئن كان هذا التصريح ينفي، ضمنياً، وقوع اعتراضات من قِبل «البيشمركة»، إلا أن مؤشرات أخرى تفيد بعودة التوتر بين الجانبين، بعد إعلان وزارة البيشمركة عن مقترح أميركي لإعادة الوضع إلى المناطق المتنازع عليها إلى ما كان عليه قبيل دخول «داعش» إليها، مع ما يعنيه الأمر من انتشار البيشمركة مجدداً في كركوك. وتعليقاً على ذلك الإعلان، حذر المتحدث باسم الحشد الشعبي (محور الشمال)، علي الحسيني، من أن «الحشد لن يسكت أبداً على الأفلام التي تحاك لإعادة القوات الكردية الانفصالية إلى كركوك»، معتبراً أن عودتها تُعدّ بمثابة «عودة للسيناريو الانفصالي، وللعبوات والمفخخات إلى المحافظة».