كلما ضاق الزمن قبل موعد انعقاد مؤتمر «جنيف 2» المقرر في 22 الشهر الجاري، استمات مسلّحو المعارضة السورية، ومن خلفهم السعودية، لتحقيق انجاز ما يُصرف على طاولة المفاوضات. فبعد فشل الهجوم الضخم الذي شنّه هؤلاء الشهر الماضي لفك الحصار عن الغوطة الشرقية، بدا أن تركيزهم ينصبّ الآن على منطقة الحدود السورية ـــــ اللبنانية، وخصوصاً منطقة جوسيه على أطراف مدينة القصير، لتحقيق هدفين: الأول تخفيف الضغط العسكري عن مدينة يبرود في القلمون، والثاني تحقيق انجاز معنوي في محور القصير، الذي مثل سقوطه في حزيران الماضي نقطة تحوّل لمصلحة النظام في الصراع المندلع منذ آذار 2011.
فمنذ السبت الماضي، توافرت معلومات عن حشود ضخمة لمجموعات من «جبهة النصرة» و«كتائب الفاروق» و«الهيئة الشرعية» في جرد مناطق نعمات وبعيون والحوارة عند الحدود تصل الى نحو ألفي مسلح قدموا من القلمون، وسيحاولون التسلّل الى منطقة جوسية عبر جرود عرسال، مستغلين الضباب الذي يغطي المنطقة. وقد أُعلنت حال استنفار في صفوف الجيش السوري وقوات الدفاع الشعبي ومجموعات حزب الله المنتشرة في المنطقة. وليلة رأس السنة، حاولت مجموعات تضم نحو 300 مسلّح التسلل الى جوسيه، فوقعت في تشريك كبير من العبوات الناسفة، ترافق مع قصف عنيف استمر ساعات عدة بمدافع الهاون والقذائف الموجّهة، واستخدمت فيه صواريخ تدميرية نوعية. وفي الوقت نفسه استهدف القصف تجمّعات المجموعات المساندة بصواريخ «غراد» 107 ملم وقذائف هاون من عيار 120 ملم. وفي حصيلة أولية أفيد أن أكثر من أربعين قتيلاً سقطوا في صفوف المسلحين، الذي أُجبروا على التراجع. وليل أول من أمس أعاد المسلّحون الكرّة، ونشبت اشتباكات عنيفة أدت الى سقوط نحو خمسين قتيلاً في صفوفهم. وتواصلت أمس الاشتباكات العنيفة، وقُصفت منطقة نعمات في شكل مركّز، وشاركت مروحيات سورية في قصف أرتال دعم للمسلحين، كما أغارت مقاتلتان سوريتان أمس على جرد نعمات.
وعلى الجانب اللبناني من الحدود، انتشرت وحدات من الفوج المجوقل في الجيش اللبناني، وأغلقت العديد من الأودية المحيطة بالقاع بالسواتر الترابية، ومن بينها وادي رافق وأقامت حواجز لمنع تسلل مسلحين من الجانب السوري.
وتوقعت مصادر أمنية لبنانية تحدثت الى «الأخبار» ان يواصل المسلحون في الأيام القليلة المقبلة محاولاتهم لتحقيق اختراق ما على هذه الجبهة. وقالت: «يبدو هؤلاء مستميتين للسيطرة ولو حتى على بلدة صغيرة في هذه المنطقة، التي مثلت بداية لانهزام المشروع السعودي في المنطقة». وشدّدت المصادر على «جاهزية الجانب اللبناني لصدّ اي هجوم على القرى»، لافتة الى «انتشار عشرات الالآف من أبناء المنطقة الذين سيحمون قراهم».
وأفادت مصادر ميدانية «الأخبار» بأن الجيش السوري صعّد عملياته العسكرية وضرباته الجوية ضد تجمعات المسلحين في جرود قارة، إضافة الى بعض الخطوط التي حاولوا التسلل منها نحو السلسلة الشرقية. وأضافت المصادر عن جرح «أكثر من 200 من مسلحي جبهة النصرة وانسحابهم الى الاماكن الجبلية المحاذية لعرسال».
في موازة ذلك، استمر هجوم الجيش السوري على مناطق الغوطة الشرقية في كل من دوما وحرستا والضمير، كما اندلعت اشتباكات بين الجيش والمسلحين في محيط المطاحن في عدرا العمالية، حيث لا يزال عدد كبير من الاهالي محاصرين على الرغم من إجلاء الآلاف منهم.

حلب: اشتباكات بين «الدولة» و«الأحرار»

على صعيد آخر، تجدّدت الاشتباكات في منطقة مسكنة في ريف حلب (شمال سوريا) بين «الدولة الاسلامية» وحركة «أحرار الشام». وعاد التوتر إلى مسكنة (80 كلم جنوب شرقي حلب) بعد تسليم جثة طبيب الاطفال حسين السليمان، الذي كان يتزعم «لواء مصعب بن عمير» في «أحرار الشام». وقتل سليمان على يد عناصر «الدولة الاسلامية» بعد تعرّضه للتعذيب الشديد، ما دفع «الجبهة الاسلامية» الى إصدار بيان طالبت فيه «الدولة الإسلامية» بـ «تسليم كل الأيادي الآثمة التي تلطخت بهذه الجريمة النكراء من آمرين وخاطفين وقتلة، وتقديمهم فوراً للهيئة الشرعية في حلب». وأضاف البيان: «لن نسمح لأحد في هذه المرحلة بأن يقف عائقاً في وجه جهادنا ضد نظام الأسد، ولن نتوانى مع ذلك عن القصاص لدماء شهدائنا، فواجب في أعناقنا إخضاع المعتدين لشريعة الله، ورفع الظلم والقتل والسجن والتعذيب عن شعبنا الأبي». وحذر البيان من أن «استمرار جماعة الدولة في أسلوبها الممنهج، بالامتناع عن تحكيم الشرع عبر قضاء مستقل، واتخاذ المماطلة والتجاهل طريقة لحل مظالمهم على الآخرين، سيقود الثورة والجهاد إلى مستنقع الاحتراب الداخلي، الذي ستكون الثورة السورية الخاسر الأول فيه». وقال مصدر في «الجبهة الاسلامية» لـ «الأخبار» إن «الطبيب كان له دور أساسي في المفاوضات التي جرت بين احرار الشام والدولة». وأضاف: «ستكون لهذه الحادثة تداعيات خطيرة إذا لم تتخذ الدولة قراراً حازماً بحق مرتكبي الجريمة».
في المقابل، ردّت «الدولة الاسلامية» بدعوة إلى «مناظرة وتحكيم شرع الله». وجاء في بيان لها: «ندعو إخواننا في حركة أحرار الشام الإسلامية إلى مناظرة علنية، وما جعلناها علنية إلا بعد البيان الأخير... وفيه كثير من المغالطات».
ولم يقتصر ردّ «الدولة الاسلامية» على طلب المناظرة، بل جرى تسريب صور عبر تغريدات على موقع «تويتر»، قيل إنها لمقاتلين من «الدولة» قتلهما أفراد من «أحرار الشام بعد أسرهما في حزانو في ريف إدلب»، وهما «أبو علي البلجيكي» و«أبو يحيى التونسي».
مقتل الطبيب دفع «الائتلاف الوطني» المعارض الى شن هجوم على «الدولة الاسلامية»، متهّماً اياها بـ «تنفيذ مآرب النظام». وقال «الائتلاف» في بيان يعد من اقوى المواقف الرسمية له حتى اليوم ضد تنظيم «الدولة الاسلامية»، إن «سيل دماء السوريين على يد هذا التنظيم رفع الشك على نحو نهائي عن طبيعته وأسباب نشوئه والأهداف التي يسعى الى تحقيقها والأجندات التي يخدمها، ما يؤكد طبيعة أعماله الإرهابية والمعادية للثورة السورية». ودعا الائتلاف «جميع المقاتلين الذين انضموا الى تنظيم دولة الاسلام في العراق والشام، ظانين فيه تنظيماً يعمل لتحقيق أهداف الثورة، ويخلص العمل لوجه الله، الى الانسحاب منه فورا واعلان البراءة من تصرفاته وأفعاله المخالفة لطبائع السوريين»، كما حث «الجهات الداعمة له على الانفصال عنه»، مشددا على «ان الجهل بمشروع التنظيم وأجنداته لا يبرر لأحد البقاء في صفوفه أو منح الولاء له».
(الأخبار)