القاهرة | بانتهاء الحكومة المصرية من إعداد مشروع الموازنة للعام المالي 2018-2019، تزداد وتيرة ما يُسمّى «خطوات الاصلاح الاقتصادي»، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، الذي يُتوقع ان تتسلم منه مصر خلال شهر حزيران المقبل شريحة جديدة من القروض، بقيمة ملياري جنيه. وهذا يعني الاستعداد لمرحلة جديدة، تتطلب تطبيق حزمة من الإجراءات ستكون الأصعب في السنوات الخمس التي يفترض أن تطبّق فيها الحكومة المصرية «اصلاحات هيكلية» لرفع الدعم كلياً عن المحروقات والكهرباء.وفق هذا التوجّه النيوليبرالي، تعوّل الحكومة المصرية على الخصخصة بهدف الحد من عجز الموازنة، وهي خطوة تترافق مع رافد آخر يتمثل في السندات التي ستطرحها بـ«اليورو» في البورصات الأوروبية لتعزيز الاحتياطي النقدي (راجع الكادر أدناه).
ومن المقرر، وفق هذه الخطة، أن يتم الإسراع في وتيرة طرح بعض الشركات الناجحة، والتي تحقق أرباحاً، في البورصة، وسط ضوابط محددة تسمح ببقاء إدارتها تحت سيطرة الحكومة، علماً بأن عملية الطرح تواجه انتقادات داخل الحكومة نفسها، بسبب استهدافها شركات أكثر ربحية من غيرها، بالإضافة إلى إدخال هيئات خدمية قانوناً في عمليات الخصخصة.
وتعهدت الحكومة المصرية في نهاية العام الماضي بزيادة إدخال القطاع الخاص في الشركات الحكومية ضمن برنامج الطروحات، الذي كان يفترض أن يبدأ قبل أشهر، ولكنه تأجل بسبب اعتراض بعض الجهات السيادية على الشركات التي سيتم طرحها، بالإضافة إلى مشاكل تواجه شركات أخرى، ومرتبطة بحجم مديونيتها والرغبة في تقليص العمالة الموجودة فيها قبل طرحها، علماً بأن المستهدف هو طرح الشركات التي تحقق أرباحاً كبيرة، من أجل ضمان ارتفاع قيمة التداولات في البورصة المصرية.
ويصل عدد الشركات المتوقع طرحها كمرحلة أولى إلى 23 شركة، سيتم الإعلان قريباً عن آلية التعامل مع كل منها، في وقت لم تحدد فيه الحكومة المصرية النسبة التي سيتم إدخالها ضمن خزانة الدولة من أجل تمويل عجز الموازنة والأموال التي سيتم ضخها في هذه الشركات، ضمن خطة إعادة تطويرها، والتي تهدف إلى زيادة أرباحها بعد إدراجها في البورصة.
يأتي ذلك في وقت تباشر فيه وزارة قطاع الأعمال تنفيذ عملية الحصر والتنقية للشركات، علماً بأن الحكومة المصرية تبدو مطمئنة من الناحية القانونية لموقف طرح الشركات في البورصة بعد التعديلات القانونية التي جرت في السنوات الماضية.
ومن بين المؤسسات الحكومية التي جرى التمهيد لإدخال القطاع الخاص فيها مؤخراً، هيئة سكة الحديد، وهي هيئة خدمية لم يُسمح منذ إنشائها قبل أكثر من 140 عاماً بدخول القطاع الخاص والاستثمار فيها.
الجدير بالذكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أقرّ تعديلات أخيراً تسمح بالشراكة وتأسيس شركات وطرح أسهمها في البورصة، لتكون مسؤولة عن مهمّات محددة بقرارات من وزير النقل، في خطوة تتماشى مع الاستراتيجية الخاصة بضخّ استثمارات في قطاع النقل، من أجل تحسين مرافقه التي تعاني من مشاكل عدة، تسبّبت في حوادث كارثية.
وتكرر الحكومة المصرية مع «السكة الحديد» ما قامت به مع هيئة النقل العام في القاهرة، التي باتت تتعاون مع القطاع الخاص في توفير شركات لخدمة الركاب بأسعار تصل إلى 5 أضعاف على بعض الخطوط، علماً بأن الهيئة التي زادت أسعارها العام الماضي تعتزم تحريك الاسعار مجدداً قبل نهاية العام الحالي، للحدّ من خسائرها، رغم كونها هيئة خدمية يفترض بموجب القانون ألا يكون هدفها تحقيق أرباح.
صحيح أن القرارات الجديدة لم تدخل حيّز التنفيذ حتى الآن، لكن نشاطات مكثفة يجري العمل عليها خلال الفترة الحالية من أجل سرعة إدخال شركات القطاع الخاص التي لن يكون لها تأثير مباشر في البداية على أسعار الخدمة، لكن على المدى المتوسط والطويل ستكون هي المتحكم الرئيسي في الأسعار، علماً بأن وزير النقل أعلن عن تحريك للأسعار الشهر المقبل بنسب متفاوتة على القطارات، مع إلغاء العديد من قطارات التشغيل التي يستخدمها ذوو الدخل المحدود على الخطوط القصيرة تجنّباً للحوادث، وهي القطارات التي كانت تحصل على النصيب الأكبر في الدعم.
وتخطّط الحكومة لطروحات بمليارات الجنيهات، خاصة في قطاع البترول الذي يشهد نموّاً كبيراً خلال الفترة الحالية، ولكنها قد تتأخر قليلاً ضمن خطة إعادة الهيكلة التي اعتمدها مجلس الوزراء في اجتماعه الأحد الماضي، وتشمل تخفيض أعداد العاملين بالإضافة إلى تقليص المكافآت والحوافز التي يتم صرفها ومراجعة عمليات الصرف بشكل دقيق، على أن يكون خفض العمالة عبر التقاعد المبكر، وتشديد تطبيق اللوائح الجزائية بالشكل الذي يجعلها تؤدي إلى الفصل من الوظيفة.
ويشكل قطاع البترول الرهان الأكبر للحكومة في الطروحات الجديدة، التي لم يتم بلورتها بشكل نهائي في ظل الاعتراضات التي باتت تواجهها من الخبراء الاقتصاديين ومحاولة تمرير تلك الطروحات بأفضل صيغة ممكنة مع احتفاظ الحكومة بالنسبة التي تمكّنها من حق الإدارة الكامل.
وتتحايل الحكومة على صندوق النقد من خلال إنشاء شركات خاصة تابعة لمصارف تملكها لتنفيذ المشاريع القومية، كما هي الحال في «مدينة دمياط للأثاث» على سبيل المثال، بالإضافة إلى الشركات المكلفة بتنفيذ بعض المشاريع بتكليف رئاسي عبر الوزارات المختلفة.
وتأمل الحكومة توسيع قاعدة المستثمرين في البورصة خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع الانخفاض المرتقب في سعر الفائدة، وذلك بعد فترة كان المستثمرون يفضّلون فيها وضع أموالهم في المصارف ضمن الشهادات الاستثمارية ذات عائد 20%، والتي صدرت بعد قرار تحرير الصرف، وقد أوشكت غالبيتها على الانتهاء بحلول الشهر المقبل.


سندات بـ«اليورو» قريباً
جولة ترويجية تنفذها الحكومة المصرية في الأسواق الأوروبية تمهيداً لطرح سندات باليورو للمرة الأولى، لتكون ثاني أضخم سندات يتم إصدارها لدولة أفريقية بعد السندات التي حصلت عليها ساحل العاج الشهر الماضي. وتسعى وزارة المالية المصرية لطرح سندات بقيمة 1.5 مليار يورو بآجال تتراوح بين 8 و12 عاماً.
واستقرت وزارة المالية على طرح السندات في بورصة لوكسمبورغ، علماً بأن عملية الطرح يتوقع ان تتم قبل نهاية الشهر الجاري، حيث تعوّل الحكومة على جمع المبلغ للاستعانة به في تخفيض عجز الموازنة خلال الربع الآخر من العام المالي الذي ينتهي في 30 حزيران. يذكر أن سندات أخرى يخطّط لطرحها خلال العام المالي المقبل.