تكثّفت التصريحات الدولية بشأن الضربة الأميركية ــ الأوروبية المفترضة ضد سوريا، عشية الدخول المخطط لقوات الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة دوما. الهامش الزمني الذي فصل بين التهديدات الأميركية الأولى، وموعد الضربة المحتمل، فتح المجال أمام تكهنات كثيرة حول طبيعة العمليات العسكرية المتوقعة والوحدات العسكرية التي قد تشارك فيها. واحتلت واجهة المشهد الأميركي أمس، زيارة وزير الدفاع جايمس ماتيس، للبيت الأبيض، بعد ساعات فقط على تصريحه بأن قوات بلاده مستعدة لتزويد الرئيس دونالد ترامب بخيارات عسكرية عدّة لضربات ضد أهداف في سوريا، إلى جانب اجتماع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بحضور نائب الرئيس مايك بنس. وأتى ذلك بعد تغريدات لترامب، تضمنت تأكيداً لخطط الاستهداف العسكري في تحدٍّ للجانب العسكري الروسي، الذي سبق أن توعّد بإسقاط الصواريخ الأميركية. أوضح التصريحات الروسية حينها، خرجت من سفير موسكو في لبنان، ألكسندر زاسيبكين، الذي أشار في مقابلة مع قناة «المنار» إلى أن قوات بلاده ستُسقط الصواريخ الأميركية وتردّ على مصادر إطلاقها. وعلمت «الأخبار» أن تصريح السفير جاء بعد اتصاله بوزارة الخارجية لتأكيد الموقف الرسمي من موسكو. وبعد التهديدات المتجددة من ترامب، أكدت المتحدثة باسم «البيت الأبيض» سارة ساندرز، في وقت متأخر من مساء أمس، أن «القرار النهائي من الرئيس لم يتخذ بعد»، مضيفة أن «كل الخيارات مطروحة... والرئيس يرى أنّ روسيا وسوريا مسؤولتان عن الهجوم الكيميائي، وأنه لم يضع جدولاً زمنياً بشأن تحرك محتمل ضد سوريا».وبينما خرجت أصوات سياسية عدّة، طالبت بموافقة «الكونغرس» المسبقة على أي توسيع للتدخل العسكري في سوريا، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن مصادر رفيعة المستوى، تأكيدها أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مستعدة لزجّ قوات بلادها في أي عمل عسكري تطلقه الولايات المتحدة الأميركية، من دون موافقة البرلمان.
هذه الأجواء التمهيدية للعدوان المفترض، ترافقت مع مئات التقديرات والتكهنات من وسائل الإعلام الغربية، لطبيعة التحرك المتوقع، وكان أبرز ما ورد فيها، الإشارة إلى ضرورة تركيز الضربات على مواقع حكومية سورية، وتجنّب إيقاع أية خسائر في القوات الحليفة لدمشق وخاصة الروسية. وفي المقابل، ظهرت انعكاسات هذا التوجه الأميركي عبر إشارات مضادة واضحة من جانب سوريا وحلفائها، كان أبرزها زيارة المستشار الأعلى لقائد الثورة الإسلامية في إيران، علي أكبر ولايتي، لدمشق وغوطتها الشرقية ولقائه الرئيس بشار الأسد، وتأكيده من هناك أن بلاده ستقف مع الحكومة السورية ضد أي عدوان أجنبي. هذه التصريحات أتت بعد تهديدات إسرائيلية بالتصعيد ضد أي نشاط عسكري إيراني متوقع في سوريا، على هامش الضربة الأميركية المفترضة، قبل أن تتبع باتصال جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أكد فيه الأخير ضرورة تجنّب أي «عمل يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار». ووفق مراسل «القناة العاشرة» الإسرائيلية، باراك رافيد، الذي نقل عن وزيرين شاركا في اجتماع «الكابينت»، فإن أي ضربة عسكرية، إن حصلت، فستكون «موضعية ومحدودة ولن تؤدي إلى تصعيد يجرّ إسرائيل إليه». وأشار إلى «اللهجة القاسية» التي استخدمها الرئيس الروسي في التشديد على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، مضيفاً في الوقت نفسه أن نتنياهو قال إن إسرائيل «لن تسمح بتعزيز القدرات العسكرية الإيرانية» هناك.
التحرّك الروسي الذي يسعى إلى ضبط وتحجيم أي تحرك عسكري مفترض، أو حتى تحييده، ترافق مع توافق عدد كبير من الخبراء العسكريين الروس، على «محدودية» قدرات واشنطن وحلفائها في شرق المتوسط، حالياً. ومع الإشارة إلى أن احتمال وقوع ضربة عسكرية «مرتفع للغاية»، فإن أي استهداف أميركي بالقدرات الحالية لا يمكنه أن يجني «ثمناً باهظاً»، كالذي توعّد به ترامب. ولفت عدد من الخبراء الروس إلى أن «نقطة الذروة في الهجوم الأميركي قد تحدث حين تُدخل مجموعات ضاربة بقيادة حاملة الطائرات هاري ترومان، التي ستصل إلى شرق المتوسط في حدود عشرة أيام»، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن «روسيا قد تجد صعوبة في تحمُّل حرب جوية طويلة ضد طيران حلف شمال الأطلسي... وفي حال تطوُّر النزاع، لن يقتصر الأمر على الطائرات الموجودة في حميميم، إذ ستدخل طائرات بعيدة المدى، وقاذفات للصواريخ، سواء في قواعد داخل سوريا أو في القاعدة الجوية الإيرانية في همدان، إلى جانب القطع البحرية المنتشرة في المتوسط». ونقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن مصادر عسكرية قولها إنّ «ثمة مراقبة عسكرية لمنطقة البحر المتوسط تجري على مدار الساعة، وذلك من خلال طائرات إنذار مبكر (أ-50)، وهي تتبع مسار المدمرة الأميركية (دونالد كوك)... فيما ستُفعَّل منظومات (أس-400) و(تريومف) و(بانتسر ــ سي 1) لحماية القاعدة الجوية في حميميم ومركز الخدمات البحرية في طرطوس». وأضافت تلك المصادر أن «هناك قناة تنسيق بين الجيش الروسي وقوات الناتو عبر الشركاء في تركيا».