من تل أبيب إلى الدار البيضاء تسع ساعات بالطائرة، فالرحلات (بمحطة توقّف واحدة) متاحة لهواة النوع من السيّاح الإسرائيليين، والمغرب - كما هو معلوم - لا يجرّم التطبيع. لكن هذا ليس كل شيء، لأن التوقف عنده قد يصبح بمثابة «لا شيء»، أمام ما كشفه «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»، ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين.في الوقائع، يدرّب «معهد ألفا الدولي لتدريب حراس الشخصيات» (في تسميته باللغة الإنكليزية الرسميّة هو معهد ألفا الإسرائيلي لتدريب حراس الشخصيات)، مغاربيين على تدريبات عسكرية وطرق القتل وإلقاء الخطابات وتصميم الفيديوات التحريضية الموجّهة للجيش المغربي، مع الدعاية الممنهجة للإشادة بالجيش الإسرائيلي وتبرير جرائمه. كل هذا يجري على أرضٍ عربية، وبإشراف إسرائيلي ميداني مباشر.
المعطيات التي كشفتها ندوة «المرصد» و«العمل الوطنية»، تظهر بوضوح انتقال الظاهرة التطبيعية إلى مرحلة التجنيد والعمالة؛ والتي باتت بحسب هاتين الهيئتين «مرتبطة مباشرة بتكوين مجموعات مدربة عسكرياً وشبه عسكرياً، في أكثر من منطقة داخل التراب المغربي، مصحوبة بتأطير إيديولوجي وفكري عبر مجموعة من الوسائط والرموز والمواقف الرامية إلى تبني الأطروحة الصهيونية والاستعداد لخدمتها مادياً». وذلك يجري كما كشفت الصور والمقاطع المرئية التي عرضتها الهيئتان «بأدوات عنيفة، ورمزياً بوسائط تواصل اجتماعي».
«المعهد الدولي» بفروعه العديدة مرخّص له بـ«العمل» في عدد من المدن المغربية أبرزها مكناس، ويجري التدريب فيه ببزّات عسكرية باللون الأخضر، وذلك داخل قاعة مغلقة وفي الخارج ضمن الطبيعة الجغرافية للمغرب ومن ضمنها في الصحراء. أمّا المجندون فيه، فهم إسرائيليون وأجانب من جنسيات مختلفة.
كل هذا أثار سلسلة من الشبهات حول المعهد والجهة التي تقف خلفه، وكذلك أسئلة يصعب على الدولة المغربية الرسمية تبريرها؛ فصحيح أن القانون المغربي لا يجرّم التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولكن هل حظي «المعهد» بترخيص قانوني؟ علماً بأنه يعرّف عن نفسه في صفحته الرسمية بأنه إسرائيلي. السؤال أتى بعد الرصد الذي بدأته الهيئتان منذ كانون الثاني/ يناير الماضي ولغاية الشهر الحالي، والذي يبيّن أن للمعهد حساباً مصرفياً في مصرف «وفا» التجاري الذي يودع فيه الراغب بالتسجيل ما قيمته 2000 درهم للدورة (كما جاء في النشرة التعريفية).
أمّا السؤال الثاني، فهو إن كانت التدريبات العسكرية، بما فيها استخدام السلاح الناري، تندرج ضمن «ألعاب الرياضة» المصرّح بها أو لا؟ لا سيما أن عنوان «المعهد» في مدينة مكناس هو نفسه عنوان «مركز تنمية الرياضات» التابع لوزارة الشباب والرياضة المغربية؛ فضلاً عن أنّ «المعهد» يشترط بوضوح تبنّي أيدولوجيات مؤيدة للصهيونية للاشتراك في الدورة، وكذلك يستخدم الأقنعة الحاجبة للوجه في خلال التدريبات عن كشف المتفجرات (!!)

مراجعة بسيطة للمجريات، توضح أنه في أواخر العام المنصرم، نظّم «المعهد» تدريباً في إقليم ميدلت، حضره ممثلون عن السلطة المحلية والدرك الملكي والقوات المساعدة. أمّا الخطوط الملكية المغربية، فكان لها نصيب من الانخراط الرسمي وذلك باستضافة «المتميزين» في الدورات التدريبية وأخذهم في «رحلات» تجول عبر الطائرة.
أمّا الأسئلة الأهم بين ما كشفته الهيئتان، فهي ما دخل الرياضة بالتأطير الديني ورفع أعلام لها علاقة بالدين اليهودي؟ وفي أي خانة يمكن وضع حضور شخصي لأحد المجندين الإسرائيليين الذي يعرف عن نفسه بأنه أحد أفراد فرقة التدخل السريع في «مصلحة السجون» الإسرائيلية؟
الاعتداء الفاضح على السيادة والأمن الوطني، طال أيضاً الجيش المغربي، إذ وجّه أفراد «المعهد» شريطاً تحريضياً للجنود ضد المؤسسات الدستورية والسياسية في الدولة، فماذا كان الهدف من ذلك؟ تجزم الهيئة: «إشاعة الفوضى والفتنة».


الفرقة الوطنية تباشر التحقيق
فتحت الفرقة الوطنية المغربية تحقيقاً، اليوم، عقب الندوة الصحافية التي عقدها «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع» ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين بعنوان (من التطبيع الصهيوني إلى تهديد أمن الوطن واستقراره).
وبحسب وسائل إعلام مغربية، فإن الفرقة الوطنية للشرطة باشرت بتحقيقات «معمّقة» بإشراف النيابة العامة الخاصة، بهدف الكشف عن أنشطة المعهد ورصد ارتباطاته «المحتملة وأي مشاريع أخرى من شأنها المس بالأمن والنظام العامين».
إلى ذلك، أجرت الشرطة عدّة عمليات تفتيش في منطقة أغبالو في ضواحي مدينة ميدلت، وذلك في سياق بحثها عن حقيقة وأهداف البرامج التدريبية التي ينظمها المعهد المذكور، والتحقق ممّا إذا كانت لها ارتباطات أو علاقات مفترضة بمشاريع ذات طابع إجرامي.