بعد أيام قليلة على كشف صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخطط لاستبدال قواتها بقوات عربية في سوريا، نقلت شبكة «سي ان ان» عن مصادر أميركية «مسؤولة»، أن هذه الإدارة تدرس، حالياً، تقديم ما وصفته بـ«مكافأة إجبارية» للسعودية من أجل إرسال قوات إلى سوريا، مع إعلان ترامب رغبته في سحب قواته.وقالت المصادر إن إقناع السعودية بالمشاركة سيأتي بثمنٍ، مضيفةً أنه مع إبداء السعودية استعدادها للمشاركة في إرسال قوات عربية إلى سوريا، سيكون على الولايات المتحدة تحديد ما الذي ستقدّمه في المقابل. وبحسب مصدر تحدّثت إليه «سي إن إن»، فإن واحدة من الأفكار التي يدرسها مجلس الأمن القومي الأميركي، تتمحور حول تقديم عرضٍ للسعودية بأن تصبح دولة بدرجة «حليف رئيسي خارج حلف شمال الأطلسي»، إذا وافقت على إرسال قوات وتقديم مساهمات مالية للتمويل اللازم.
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد قال، أول من أمس، رداً على تقارير عن محاولة تشكيل قوة عربية لإرسالها إلى سوريا، إن «هناك نقاشات مع الولايات المتحدة، منذ بداية هذه السنة، وفي ما يتعلق بإرسال القوات إلى سوريا، قدمنا مُقترحاً إلى إدارة (الرئيس السابق باراك) أوباما بأنه إذا كانت الولايات المتحدة سترسل قوات، فإن المملكة ستفكر كذلك مع بعض الدول الأخرى في إرسال قوات كجزء من هذا التحالف». الجبير أضاف أن «الفكرة ليست جديدة، لدينا كذلك مقترحات لأعضاء من دول التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في السنة الماضية لإدارة أوباما، وأجرينا نقاشات مع الولايات المتحدة بشأن ذلك، وإدارة أوباما في النهاية لم تتخذ إجراءً بخصوص هذا المقترح»، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
وكان ترامب قد كشف، في نهاية آذار الماضي، عن رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا، إلا أنه تراجع عن اتخاذ الخطوة سريعاً بعد تحذيرات من القيادات العسكرية الأميركية ومستشاري الأمن القومي. وفي مطلع نيسان الحالي، قال ترامب إن «السعودية مهتمة جداً بقرارنا. وقلت، حسناً، كما تعلمون فإذا كنتم تريدوننا أن نبقى فربما يتعيّن عليكم أن تدفعوا». كذلك، قال في إعلانه توجيه ضربات عسكرية للنظام السوري، بعد اتهامه بشن هجوم كيميائي في دوما: «طلبنا من شركائنا تحمّل مسؤولية أكبر لتأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة بمبالغ كبيرة من الأموال للموارد والمعدات ومختلف جهود محاربة داعش».

ماذا يعني «حليف رئيسي من خارج الأطلسي»؟
بحسب ما يشير إليه الباحث في شؤون الشرق الأوسط نيكولا هيراس، فإن «مكانة حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي ستعزّز الولايات المتحدة كضامن لأمن السعودية في المستقبل المنظور»، مضيفاً أن هذا الأمر «سيضع على الورق ما كان اتفاق نبلاء». وتصنيف المملكة العربية السعودية كحليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، سيكون اعترافاً رسمياً بوضعها كشريك استراتيجي عسكري مع الولايات المتحدة على درجة حلفاء رئيسيين، مثل إسرائيل والأردن وكوريا الجنوبية. من هذا المنطلق، قال هيراس إن «وضع حليف رئيسي خارج الناتو، هو بمثابة ريشة على رأس دول عدّة».

أين أصبح «التحالف»؟
في غضون ذلك، وفي الوقت الذي لا تزال فيه إدارة ترامب ملتزمة في محادثات مع حلفائها العرب بشأن إمكانية بناء نوع من «حلف إقليمي»، يبدو أن اتفاقاً رسمياً قد جرى التوصل إليه. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان ديلون، أول من أمس، إن «الدول الأفراد مسؤولة عن إعلان مساهمات محدّدة لقوّتها على الأرض في سوريا». وأضاف أنه «حتى الآن، لم نعلن هذه المشاركات بناءً على طلب هذه الدول»، مشيراً إلى أنه «في ما يتعلق بهذا الأمر، وما إذا كانت هذه الدول ستؤمّن الدعم الجوي أو الميداني أو التدريب، سنترك ذلك لها كي تقوم شخصياً بهذا الإعلان».
«سي ان ان» أشارت، في هذا المجال، إلى أن المرشح لتسلّم منصب وزير الخارجية مايك بامبيو، أبدى اهتماماً بمفهوم التحالف العربي منذ أن انضم إلى إدارة ترامب كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، فيما التقى مستشاروه غير الرسميين بمسؤولين مصريين، حتى قبل أن تُعلَن تسميته لتسلّم منصب وزير الخارجية.

ليس من دون صعوبات
من جهة أخرى، فعلى الرغم من تلميح الولايات المتحدة إلى أنه ستكون هناك مساحة لانضمام عدد من الدول العربية من أجل التفاوض بشأن إتمام نوع من الاتفاق في ما يتعلق بسوريا، إلا أن عملية بناء تحالف فعّال ملتزم الحفاظ على المصالح الأميركية الاستراتيجية، قد تكون أكثر صعوبة مما يظهر على الورق. وفي هذا المجال، يقول هيراس: «لا أعرف إن كان على الولايات المتحدة أن تضع كامل ثقتها بأي شريك إقليمي، عندما يتعلق الأمر باستقرار سوريا»، مضيفاً أن «أكثر الشركاء العرب قدرة، متورّطون في نزاعات أخرى قد تواصل الاستحواذ على اهتمامهم».
بدوره، رأى المحلّل العسكري جون كيربي، أن «الهاجس الأساسي يجب أن يكون إمكانية استخدام الحلفاء العرب للعمليات في سوريا كحجة للدخول في حرب أكبر بالوكالة ضد إيران، وبالتالي تأمين أسلحة للمعارضة، ما قد يجبرنا (الولايات المتحدة) على أن نصبح أكثر تورّطاً في حرب أهلية، بما هو ليس في مصلحتنا».
سؤال آخر تطرحه الشبكة الأميركية، وهو ما إذا كانت الدول العربية قادرة على القيام بهذه المهمة من منطلق عسكري. وفي هذا السياق، تشير إلى أن هذه الدول «على الرغم من شرائها معدات دفاعية وأسلحة أميركية بمليارات الدولارات، لكنّ غالبية القوات العربية تبقى محدودة بشكل أساسي في قدرتها». «حتى إن أكثر القوات العسكرية تقدماً في المنطقة لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في ما يتعلق بجمع المعلومات الاستخبارية، وغيرها»، تخلُص الشبكة.