عمالة الأطفال في حلب: من «احتياط» إلى ضرورة

  • 0
  • ض
  • ض
عمالة الأطفال في حلب: من «احتياط» إلى ضرورة
منذ عقود طويلة دأبت العائلات على إرسال أطفالها لتعلّم بعض المهن (أ ف ب )

حرصت عائلات حلب منذ عقود طويلة على دفع أطفالها إلى «تعلم صنعة»، بغية تكريس حب العمل لديهم، ومنحهم ضماناً احتياطيّاً للمستقبل، من دون أن تحول سلبيّات «عمالة الأطفال» دون ذلك النهج. اليوم تغيّر الحال، وباتت «عمالة الأطفال» منتشرة بـ«حكم الضرورة»، ولا سيّما مع افتقاد المدينة لنسبة وازنة من شريحة الشباب

في صبيحة يوم الجمعة ينتشر عشرات الحلبيّين في محيط القلعة، وتتزايد أعدادهم مع تقدّم الوقت. لا يوفّر أبناء المدينة فرصةً أو حيّزاً يمكن انتهازه لخلق مساحة «تجاريّة»، لذلك يبدو طبيعيّاً أن تنتشر في محيط القلعة بسطاتٌ كثيرة تبيعُ «لوازم المشوار»، من مسليّات وموالح، إلى المرطبات والعصائر وعبوات المياه المعدنيّة والقهوة المرّة. وتمكن ببساطة ملاحظة النسبة الطاغية من الأطفال الذين يتولّون أمور البيع على تلك البسطات. يعرض محمّد (12 عاماً) أكياس «البسكوت» على روّاد المقاهي المقابلة للقلعة بابتسامة خجولة. يهمّ أحد النادلين بطرده، فنطلب منه الكفّ عن ذلك، ما يشجّع الصغير على التجاوب مع حديث قصير. يخبر محمد بأنّه لا يذهب إلى المدرسة، ولم يذهب إليها من قبل، ويبرّر الأمر بأنّ «الحياة الصعبة، ولازم أشتغل». يبدي الطفل تحفّظاً عن الخوض في تفاصيل حياته العائليّة، وحين نستأذنه لالتقاط صورة له يسأل: «يعني بتنتشر الصورة وبتطلع ع التلفزيون؟»، نقول: «لا، ربما ننشرها في الجريدة». لا يبدو على الطفل أنّه فهم ما هي الجريدة أصلاً، لكنّه يبتسم للكاميرا. في حيّ بستان القصر الشعبي ينتشر عشرات الأطفال أمام أحد مقار جمعيّة «من أجل حلب»، وإلى جوار كلّ منهم عربة معدنيّة. يتحوّل يوم توزيع المعونات إلى «فرصة عمل» يتلقّفها الأطفال. يعقدون اتفاقات سريعة مع بعض متلقّي المعونات، ولا سيّما النساء، يحصل الاتفاق على الأجر تبعاً لحجم «الحمولة» وبعد مسافة البيت. يحظى واحد من الأطفال بشهرة خاصّة، نظراً لما عُرف عنه من تصرّفات «مسترجلة». يبلغ عمر أحمد ثلاثة عشر عاماً، لكنّه يؤكّد أنّه مسؤول مع أخويه «عن إعالة الأسرة». يقول إنّ أخبار والده منقطعة «ما منعرف عنو شي، اختفى من أيام المسلّحين، في ناس قالوا انخطف، وناس قالوا مات، بس ما منعرف شي».

يتحوّل يوم توزيع المعونات إلى «فرصة عمل» يتلقّفها الأطفال

نسأل الطفل: «وهل تمارس والدتك أي مهنة؟»، فيجيب بعصبيّة: «هاد اللي ناقص، طبعاً ما بتشتغل، ونحن إش عم نساوي». يقول إنّه لا يذهب إلى المدرسة، ولا يفكّر في الأمر، لكن أحد أقرانه يتدخّل قائلاً: «لك مو اتفقنا نروح سوا؟»، فيجيب: «إي ان شالله ان شالله». يسألنا أحمد: «بدكن تصوروني؟»، فنجيب: «إي منصورك، بس بدنا إذن من أهلك قبل نشر الصورة»، يضحك «أيواااا قال إذن قال، لك صوّر خيو صوّر». لا يُعدّ عمل الأطفال طارئاً على عادات المدينة، فمن البديهي وفقاً لعرف معظم سكّانها أنّ «الولد لازم يتعلّم صنعة». ويقوم هذا العرف على أنّ «تعلم الصنعة» ضمان إن لم يفلح الطفل في الدراسة، وأنّ «الصنعة إذا ما غنت بتستر». ومنذ عقود طويلة دأبت العائلات على إرسال أطفالها لتعلّم بعض المهن، في العطلتين المدرسيّتين الطويلتين (الانتصافيّة، والصيفيّة). بعض العائلات ترسل الطفل لتعلم مهنة الوالد، أو إلى معمله أو وورشته، وفي كثير من الحالات تفضّل العائلات أن يتعلم الطفل «مصلحة تانية غير مصلحة أبوه» حتى ولو كان الأب ميسوراً وصاحب عمل مستقل. لكنّ الحال تغيّر في السنوات الأخيرة، وباتت دوافع عمل الأطفال في معظمها تتمحور حول المساهمة في تحسين دخل أسرهم. لا يمكن الحصول على إحصاءات دقيقة عن نسب التحاق الأطفال بالمدارس، ولا سيّما في الأحياء الشرقيّة، لكنّ المؤكّد أنّ عدداً من المدارس قد افتُتح في معظم تلك الأحياء، وأنّ أعداد الطلاب آخذة في التزايد. وأسهم التعاون بين منظمة «الأمم المتحدة للطفولة/ يونيسيف» ووزارة التربية في إطلاق برنامج «منهاج الفئة ب» المخصّص للمنقطعين عن الدراسة من تلامذة التعليم الأساسي، أو من لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة سابقاً. وبين آذار 2016 وشباط 2017 التحق حتى الآن نحو 18000 طفل فقط بـ«منهاج الفئة ب» في 340 مدرسة في مختلف المحافظات السورية. وتُعَدّ محافظة حلب من بين أعلى المحافظات تضررّاً في القطاع التعليمي، ولا سيّما في ما يتعلّق بعدد المدارس المدمرة أو المتضررة.

من ملف : أهل الشام

0 تعليق

التعليقات