الخرطوم | في وقت متأخر من مساء أول من أمس، أعفى الرئيس السوداني، عمر البشير، وزير خارجيته إبراهيم غندور، من منصبه. وفيما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية الإقالة في خبر مقتضب، لم تذكر فيه أي تفاصيل، فإنّ الحدث لم يكن مفاجئاً للرأي العام المحلي وللمتابعين للشأن السوداني، وخاصة أنّ إبراهيم غندور سبق له التقدّم بالاستقالة في كانون الثاني/ يناير الماضي، وهذا ما تؤكده عدة مصادر قريبة من دوائر القرار في الخرطوم.تشير تلك المصادر إلى أنّ استقالة غندور في حينه «أغضبت البشير، وخاصة أنّه قدمها إلى وزير شؤون الرئاسة في الحكومة». وعن أسباب تلك الخطوة، تشرح المصادر أنّ الأمر ارتبط «بتكليف البشير لعوض الجاز، وهو مسؤول ملف العلاقات مع دول مجموعة البريكس، وأحد أبرز قيادات الحزب الحاكم، بتولي مسؤولية عدد من الملفات الخارجية، وفي مقدمتها العلاقات بين السودان من جهة، وكل من الصين وتركيا من جهة أخرى، وهو ما اعترض عليه غندور، معتبراً أن تكليف جهة أخرى غير وزارة الخارجية بتولي ملفات هي من صميم عملها، يُعدُّ بمثابة الإهانة، وتهميشاً لدور الوزارة». في ذلك الوقت، «ظلّ البشير محتفظاً باستقالة غندور لفترة، ولم يبتّها إلى أن تدخلت دوائر وسيطة لاحتواء الموقف، فاستمر غندور في منصبه ولكن لم يُعلن عدم قبول الرئيس الاستقالة».
لم تكن تلك المرة الأولى التي يغضب فيها غندور إزاء التقليل من دوره وتهميش وزارته. فسبق أيضاً أن استاء الرجل من تبني مؤسسة الرئاسة السودانية جهود رفع العقوبات الأميركية (جزئياً) عن السودان في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ونسبها إلى مدير مكاتب البشير السابق طه عثمان، الذي كان من أقرب المقربين للرئيس ومستشاره في كل الأمور قبل إعفائه من منصبه العام الماضي وذهابه إلى السعودية ليعمل مستشاراً لدى وزير الخارجية السعودي للشؤون الأفريقية، وهو بطبيعة الحال يحظى بعلاقات جيدة مع أمراء السعودية والإمارات.
ثمة مؤشرات أخرى كانت تدل على خلاف دفين بين غندور من جهة، والحكومة والرئيس من جهة أخرى، بينها ما جاء على لسان البشير خلال زيارته موسكو في نهاية العام الماضي، حيث هاجم واشنطن وبدّل في مواقفه الإقليمية، معلناً أيضاً: «نحن نحتاج كسودان إلى حماية من العدوان الأميركي». جدير بالذكر، أنّ تلك الزيارة جاءت بعد رفع العقوبات الأميركية جزئياً، لكن سبقتها زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي جون ساليفان، للخرطوم «التي عمّقت الخلاف بين البشير وواشنطن، إذ تردد أنّ المسؤول الأميركي اشترط لتطوير العلاقات بين بلاده والخرطوم، عدم ترشح البشير لولاية جديدة في 2020، بالإضافة إلى أن المسؤول الأميركي رفض لقاء البشير»، كما تؤكد عدة مصادر. وفي تلك المرحلة، ظهر غندور بشخصية الرجل الدبلوماسي ليبرر تصريحات البشير في موسكو التي من شأنها أن تهدم «الحوار السوداني ــ الأميركي»، مؤكداً أنّ حديث البشير يأتي في سياق وصفه للاستهداف الذي يواجهه السودان منذ عام 1990. ويبدو أن تبرير غندور أغضب البشير مجدداً.
القشة التي فجرت العلاقة بين الرجلين، تمثلت في إعلان غندور (الذي كان قد تسلم منصبه منتصف عام 2015)، قبل يومين أمام البرلمان بأنّ هناك لوبي داخل مؤسسة الحكم يسعى إلى تقويض الجهود الدبلوماسية ووزارة الخارجية، عبر المطالبة بتخفيض المخصصات المالية لها (أشار غندور إلى عدم تسلم دبلوماسيين مرتباتهم منذ سبعة أشهر، فيما طالب دبلوماسيون بالعودة إلى الخرطوم بسبب سوء أوضاعهم). وثمة من يرى أنّ أسباباً خارجية أيضاً، دفعت بالبشير نحو إقالة غندور، وهي مرتبطة بصورة خاصة بعلاقات الخرطوم مع القاهرة وواشنطن. هذا مع العلم بأنّ غندور الذي كان يظهر بين الحين والآخر صدامياً في تصريحاته تجاه مصر، يُعدُّ من أفضل المسؤولين السودانيين تعاملاً مع ملف العلاقات المصرية السودانية لإيمانه بضرورة تطورها وإبعادها عما يُعكِّر صفوها، وذلك برغم طبيعة ردّه الصدامي على أسئلة أحد البرلمانيين حول مسألة مثلث حلايب المتنازع عليه مع القاهرة، وخاصةً أنّه أضاف في سياق ذاك الرد: من يريد الحرب مع مصر غير عاقل.
أما على صعيد العلاقات مع واشنطن، فربما يُفهم أن غندور يريد علاقة جيدة مع واشنطن، وهذا ما لا يريده البشير لرفضها له، ما جعل دوائر نفوذ مقربة من البشير تهمس في أذنه بأن غندور «قد يكون خليفته لدى الأميركيين» (لم يستبعد البعض همس طه عثمان نفسه للبشير بإقالة غندور، وخاصة أنّ القرار أُخِذ بعد القمة العربية الأخيرة في السعودية، وقد شوهد طه خلف البشير في تأدية مناسك العمرة).
مهما تكن طبيعة الخلافات ودوافع الإقالة، فإنّها تتعزز أيضاً بالتغييرات الكبيرة التي يجريها البشير منذ أشهر في دوائر السلطة، في مشهد يقرأ فيه البعض نيةً لدى الرئيس السوداني «بتجهيز المسرح الداخلي لولاية جديدة لا يُسمح له بالترشح إليها وفق الدستور».
بما يخص الأسماء المرشحة لخلافة غندور، يتردد بأنّ أبرز هؤلاء المرشحين هو وزير الموارد المائية والكهربائية معتز موسى، يليه سفير السودان السابق لدى جوبا، مطرف صديق، إضافة إلى تردد أسماء مثل: عوض الجاز ومصطفى عثمان إسماعيل. إلا أنّ هذه الترشيحات تبقى في خانة التخمينات نظراً إلى أنّ البشير يُطبق حالياً على أمور الحكم، وقد يختار أحد تلك الأسماء، ويعدل عنها في أي لحظة.