تحية من قلبٍ لا يزال يشعر بالحزن إن رأى الموت، وبعد...
اليوم ستأخذون حصتكم من الحكاية. سأخبركم قصة، لكنها لن تكون عن قنديل بيت خالتي سعاد الذي كان يغفو قبل موعد النوم. فاليوم استثنائي بامتياز، وأبطال القصة هم أنتم، والأشرار فيها هم نحن. كان يا ما كان، في أواخر عام 2013 المشؤوم، ودّعت البشرية سنة الحرب والنكسات بصور فوتوغرافية لكم ولعوائلكم في مخيم اليرموك السوري وأنتم موتى من الجوع. تساءل بسطاء، كيف وصلت عدسة الكاميرا إلى هناك في الوقت الذي لم تستطع فيه ربطة الخبز اجتياز الحواجز إليكم؟ وأيّ جرأة تملّكت المصوّر حتى استطاع أن يلتقط تفاصيل أجسادكم الهزيلة؟ هل اعتدنا الموت كما اعتاد هو خطف الأرواح من بيننا؟ أما الأشرار فقالوا «تمسحنا _ بلهجة متهكمة _ لم نعد نشعر بشيء!»، واستطاعوا أن ينظروا إلى الصور، ثم عادوا إلى فراشهم وناموا مرتاحين، واستفاقوا في اليوم التالي وأكملوا حياتهم اليومية بشكل طبيعي.

بعدها بأيامٍ قليلة، استقبل الأشرار العام الجديد باحتفالات خرافية، وفي ليلة واحدة فقط، صُرفت أموال من بيوت المسيحيين والمسلمين سواء بسواء، كانت تكفي لتسد جوعكم ومجاعة الصومال لعشرات السنين! ونسيناكم، لإننا اعتدنا ببساطة أن ننسى أمواتنا. لأن لا أسماء لكم نتذكرها، ولا تواريخ ميلاد. لا صورة تذكارية محترمة نجدها على صفحات الإنترنت، فقط صورتكم وأنتم موتى من الجوع. ونحن، يا أطفالي، أشرار بطبيعتنا. سنقول «من يريد أن يتذكر صورة همجية كهذه؟!». لا أسف على ذلك، صدّقوني، فمنذ أزل التاريخ، يتذكر الناس الطاغي وجبروته مع أنه هو الشرير وليس البطل، فيما يموت آلاف الطيبين من الناس. اليوم، الحال لا تزال كما كانت عليه قبل أن تموتوا. هذه القصة ليست خرافية كي تنتهي نهاية سعيدة، للأسف هذه القصة واقعية ولا تنتهي حتى ينتهي كل البشر. لا نزال حتى بعد مماتكم نتعارك باسمه تعالى على الأرض، وهو يراقب، «يُمهل ولا يُهمل»، على الأقل هو أخبرنا بذلك. ليس ذنبكم أنكم وجدتم في هذا المكان والزمان، المسألة ليست محصورة بكم، هذه هي حال البشرية منذ وجودها على سطح هذا الكوكب. أبطال القصة ينهش الأشرار أجسادهم دوماً، وتأكل عيونهم ما تبقى من جلدٍ وعظم، والأبطال مثلكم يفوزون بعد الموت فقط، وحدهم يستطيعون أن يروا وجه الله الحقيقي، وأن يسألوه بأي ذنب يقتلون. كان يا ما كان، صعد الصبيان والبنات إلى السماء. بسطاء قالوا «الله يرحمهم، عصافير في الجنة إن شاء الله»، وتوتة توتة خلصت الحدوتة. أتمانعون لو سألتكم ختاماً لهذه القصة إن كنتم فعلاً أصبحتم عصافير؟ وإن كان صحيحاً، كيف هو الشعور بالطيران؟ أصحيح أنه يشبه العشق؟ أو أنه أقرب إلى الإحساس الذي يجتاح الأنثى عندما تقرأ رسالة الحبيب الأولى؟
أشك في ذلك... على الأرجح أن الشعور قبل الموت لا يشبه الشعور من بعده. سنموت يوماً ونرى.