تسود حالة من الترقب أجواء مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، عقب التوصل إلى هدنة بين الميليشيات المتقاتلة، لا يُعلم إلى أي مدى زمني يمكن أن تصمد، بالنظر إلى فشل محاولات التوسط السابقة، التي قادها وكيل المحافظة عارف جامل. وجاء إعلان هذه الهدنة عقب اشتداد الاشتباكات بين عناصر «كتائب أبو العباس» السلفية الموالية للإمارات وبين مقاتلين موالين لحزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون)، وبلوغها ذروتها يوم أمس، ما أدى إلى ازدياد عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، في ظل استمرار تعطّل الحركة التجارية وسط المدينة.وأُعلن، مساء أمس، عن اتفاق لوقف إطلاق النار، وتسليم المقارّ الحكومية ابتداءً من اليوم السبت. اتفاق تم التوصل إليه خلال اجتماع للجنة التهدئة المشكّلة من قبل المحافظ، أمين محمود، ضمّ قائد ميليشيات «أبو العباس»، عادل عبده فارع، وقيادات عسكرية محسوبة على «الإصلاح». ونصّت وثيقة الاتفاق، كذلك، على تشكيل قوة مشتركة لـ «ضبط العناصر المطلوبة أمنياً»، خصوصاً منها المتورّطة في قتل الموظف اللبناني في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حنا لحود، وانسحاب المقاتلين إلى مواقعهم في الجبهات، وإطلاق سراح المسلحين الذين تم احتجازهم خلال الأحداث الأخيرة.
وانعقد الاجتماع المذكور بعدما احتدمت، أمس، المواجهات بين السلفيين و «الإصلاحيين»، والتي استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. وأفادت مصادر محلية من داخل مدينة تعز بأن عمليات القصف والقنص أدت إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 5 آخرين، مشيرة إلى أن «النقاط الأمنية التابعة لكلا الطرفين مارست عمليات اعتقال واختطاف ضد مدنيين». وترافق اشتداد المواجهات مع اندلاع حرب كلامية شارك فيها كبار قادة الميليشيات المتصارعة. واتهم قائد «كتاب أبو العباس» حزب «الإصلاح» بـ «اختراق الهدنة التي فرضها المحافظ»، مُهدِّداً بأن «الصبر لن يطول على مخترقي الهدنة»، في حين هاجم نشطاء «الإصلاح» وخطباؤه محافظ المحافظة، مطالِبين إياه بـ «وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها». وأطلق قائد ميليشيات «لواء العصبة»، الموالية للإمارات، رضوان العديني، بدوره، نداءً إلى من سمّاهم «فرقاء النضال الوطني» في تعز، دعاهم فيه إلى «توحيد الكلمة، والابتعاد عن المواجهات»، منبهاً إلى أن «المواجهات المسلحة بين الفرقاء تسببت في ‏إحراج أمام الشرعية والتحالف العربي، وستُصنَّف معها تعز كبؤرة للجماعات الإرهابية». وكانت وساطة قادها، منذ يومين، وكيل المحافظة، فشلت في إيقاف المعارك التي اندلعت مطلع الأسبوع، ودخل على خطّها مسلحون من تنظيم «القاعدة».
اغتيل لحود في منطقة محسوبة على ميليشيات «التحالف»


واشتعل فتيل الاشتباكات بعدما وجّه المحافظ باعتقال المتورطين في اغتيال حنا لحود، إذ تحوّلت الحملة الأمنية لتعقب القتلى إلى مناسبة لتصفية حسابات قديمة بين الميليشيات المتصارعة، التي دائماً ما تدخل في مواجهات لا تكاد تهدأ حتى تندلع مجدداً. وأتى إقرار الحملة في ظل ضياع دم لحود بين الطرفين المتقاتلَين، وتبادل الاتهامات في شأن المسؤولين عن سفكه، خصوصاً أن ملابسات حادثة اغتيال الموظف اللبناني تحمل أكثر من تفسير. في هذا الإطار، تفيد مصادر في تعز، «الأخبار»، بأن الحادثة وقعت في مكان يخضع لسيطرة «اللواء الخامس ـ حرس رئاسي»، بقيادة ضابط يدعى عدنان رزيق، ويضمّ كذلك نقطتين أمنيتين تابعتَين لـ «الشرطة العسكرية» و «اللواء 17 مشاة»، علماً أن جميع تلك التشكيلات محسوبة على «الإصلاح». لكن في الوقت نفسه، تضيف المصادر، تمّت عملية التصفية أثناء وجود مقاتلين ينتمون إلى «كتائب أبو العباس» في المكان، وهو ما حمل «اللجنة الأمنية» في المحافظة على التوجيه بإلقاء القبض على جميع من كانوا موجودين لحظة وقوع العملية. توجيه أعقبه قيام ميليشيات «أبو العباس» بقطع طريق رئيسة، والتهديد بإشعال مواجهات، فما كان من المحافظ إلا أن رضخ للتهديدات، وأمر بإطلاق سراح الموقوفين، لتتشكّل لاحقاً لجنة تحقيق أفضى عملها إلى ما أفضى إليه من أحداث دموية خلال الأيام القليلة الماضية.
وفقاً للمصادر نفسها، فإن اغتيال لحود، الذي تمّ في منطقة محسوبة بالكامل على «التحالف» والميليشيات التابعة له، كان «عملية منظمة»، خصوصاً أن الجولة الأخيرة للموظف اللبناني تم التنسيق في شأنها مسبقاً مع الجهات المعنية، وهو ما يُستدلّ من خلاله على أن من نفّذ العملية كان على علم بتحركات وفد الصليب الأحمر، ولديه معلومات تفصيلية عن سير الموكب. وترجّح المصادر أن يكون الهدف من وراء العملية إرهاب المنظمات الدولية وإخراجها، في سبيل تسهيل ترتيبات تُعدِّ لها دولة الإمارات، المتّهمة بإقامة سجون سرية في اليمن بعيداً من عين الرقابة الدولية، للسيطرة على المنطقة، وطرد «حزب الإصلاح» وحلفائه منها.