لا يُعَدّ التدخل الأميركي في الحرب على اليمن جديداً، ولا تُعدّ عملية اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد واقعة كاشِفةً لهذا التدخل. ذلك أن دور الولايات المتحدة ملحوظ منذ الأيام الأولى للحرب، بل أثناء اتخاذ قرارها، ومواكِبٌ لكل المراحل التخطيطية والسياسية والقيادية والعملياتية للعدوان. ولم يكن للسعودية، في الأصل، أن تشنّ عدوانها من دون دفع واشنطن وتغذيتها المستمرة. منذ ما قبل دخول «أنصار الله» إلى صنعاء، كانت للاستخبارات الأميركية مقارّ معروفة للكثير من السياسيين والأمنيين اليمنيين في العاصمة. وقد خرج العاملون في تلك المقارّ، علناً، من صنعاء بعد سيطرة «أنصار الله» عليها، ليتابعوا من مقارّ دولتهم في كل من عدن والمكلا وجدة والرياض وجيبوتي وقاعدة عصب في إريتريا عملهم في التواصل مع المكونات والشخصيات اليمنية المحسوبة على واشنطن (قُدّر عدد الضباط الأميركيين العاملين في اليمن بـ200).
هذا الدور الاستخباري ارتبط بمنظومة الأقمار الاصطناعية التي تعمل على مدار الساعة على تأمين الأهداف وتحديث قاعدة البيانات الاستخبارية باستمرار، وكذلك المنظومات الفنية العالية المستوى الموجودة في القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. ولاحقاً، رُبطَت تلك المنظومات الفائقة التطور فنياً بالتجهيزات العسكرية السعودية، وزُوّدت الطائرات، أو على الأقل بعض أسرابها، ببيانات المنظومات المذكورة، وغرف العمليات التي تُدار من خلالها عمليات القصف الجوي والعمليات العسكرية البرية بإشراف ضباط أميركيين، والتي لا يمكن ضرب أيّ من الأهداف من دون موافقة الضباط الأميركيين المداومين فيها.
من يُنسَب إليه الفشل أولاً هو الجانب الأميركي لا السعودي أو الإماراتي


حقائق يعزّزها عدم تحرّج واشنطن عن الاعتراف، في كلّ مناسبة، بأنها تشارك في العدوان على اليمن بالجهد الاستخباري واللوجستي، وتزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود جواً، وتبريرها ذلك بادعائها العمل على التقليل من الخسائر المدنية. وقد حذّر وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الكونغرس، أثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة، من تقييد الدعم الأميركي لـ«التحالف»، زاعِماً أن خطوة من هذا النوع ستؤدي إلى زيادة أعداد القتلى المدنيين، وعرقلة التعاون بشأن مكافحة الإرهاب.
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إنه عندما يُنسب الفشل، سواء على مستوى الميدان أو إدارة الصراع بالمفهوم العام، إلى الجانبين السعودي والإماراتي فقط، فإن ذلك التوصيف قاصر عن فهم الخريطة الجيو - سياسية للمنطقة، والنظرة الأميركية لهذه الخريطة التي تلعب فيها واشنطن دوراً محورياً، وهي تخطط للبقاء فيها على المديين المتوسط والطويل. ومن هنا، يأتي التعقيد السياسي في الجولات السابقة من المفاوضات، والتخبط في المسار السياسي العام. والحقيقة أنّ مَن يجب أن يُنسب إليه الفشل بالدرجة الأولى هو الجانب الأميركي، الذي أناط بنفسه الدور الاستخباري. وهو دورٌ يُعَدّ ركيزة أساسية في الحروب الحديثة، ويحوز في حالة اليمن أهمية مضاعَفة. وبالنظر إلى استمرار الإخفاق في الحرب، تصبح الاستخبارات في موقع الاستجواب، وتُلقى عليها المسؤولية الرئيسة عن الغرق في المستنقع ذاته الذي وقع فيه النظام السعودي.
وعليه، لا يُستبعد أن يكون قرار اغتيال الشهيد الصماد قد جاء في إطار العمل على تعويم الدور الاستخباري وتلميعه، وتصويره في موقع تحقيق الإنجاز الكبير، علماً بأن الجانبين السعودي والأميركي لم يكونا متأكِّدَين من تحقيق مرادهما، ولذلك لم يجرؤا على إعلان عملية الاغتيال إلا بعد إعلان صنعاء، وهذا دليل على حالة الشك في أن يكونا قد حققا مبتغاهما فوراً، خصوصاً أن السعودية أعلنت مرات عديدة استهداف «رؤوس كبيرة»، ليتبيّن لاحقاً خطأها، كما حصل في الإعلان المتكرر لقتل المسؤول العسكري في «أنصار الله»، أبو علي الحاكم.