منذ الحضور إلى طرابلس، لم يكن المجلس الرئاسي وحكومة فائز السراج، يسيطران على أيّ قويّة أمنيّة لحماية وجودهما، ما دفعهما نحو التعويل على مجموعات مسلحة منتقاة من طرابلس ومصراتة للقيام بالمهمّة. وعلى رغم ارتباط تلك المجموعات بالمجلس الرئاسي، اسميّاً، فقد صارت اليوم مسيطرة عليه.حفنة من المجموعات المسلحة التي دعمت إقامة المجلس الرئاسي وحكومة التوافق في طرابلس، أزاحت منافسيها تدريجاً عبر سلسلة من الصدامات معهم، واكتسبت منذ ذلك الحين درجة غير مسبوقة من التأثير في مؤسسات الدولة في طرابلس. أكبر تلك المجموعات هي «كتيبة ثوار طرابلس» التي يقودها هيثم التاجوري، و«كتيبة النواصي» التي تقودها عائلة قدور، و «قوّة الردع الخاصّة» التي يقودها عبد الرؤوف كارة، و «وحدة أبو سليم» التابعة لجهاز الأمن المركزيّ ويقودها عبد الغني الككلي.
هذا التحوّل في المشهد الأمنيّ الطرابلسيّ، أي التحوّل من خليط معقّد يشمل مجموعات متنوّعة نحو قلّة من الميليشيات الكبيرة، أدى إلى تحسّن أمنيّ هائل بالنسبة للمواطن العاديّ. أما الأمم المتحدة والسفارات الغربيّة، التي دعمت ضمنيّاً التوسّع العنيف للميليشيات الموالية للمجلس الرئاسيّ، فقد أظهرت ثقتها في الوضع القائم من خلال إعادة حضورها في طرابلس. لكن هذا الاتحاد (الكارتال) الميليشياوي يهدّد بإعاقة محاولات الأمم المتحدة المستمرة للتوسّط والوصول إلى تسوية سياسية تحظى بقابليّة أكبر للاستمرار، ويهدّد بإثارة صراع واسع جديد حول العاصمة.
منذ البداية، ركّز المجلس الرئاسي على الفوز بمساندة «كتيبة النواصي» و «قوّة الردع الخاصّة» المتمركزتين في منطقة سوق الجمعة والمسيطرتين على محيط القاعدة البحريّة حيث أنشأ المجلس مكاتبه (كانت «قوّة الردع الخاصّة» مسيطرة أيضاً على المطار الوحيد المستعمل في العاصمة). وفي حركة غير محسوبة، انضم التاجوري إلى مساندي المجلس الرئاسيّ ليلة وصوله، وفي غضون أيام، دخلت مجموعة الككلي في منطقة أبو سليم إلى هذا التحالف. وقد كانت هذه المجموعات الأربع في تنافس مع ميليشيات محليّة أخرى حول مناطق النفوذ والموارد، وبذلك وجد منافسوهم أنفسهم في المعسكر المقابل في شكل افتراضيّ. سريعاً، وقع المجلس الرئاسيّ تحت تأثير هذه الميليشيات ولم يبذل جهوداً كبيرة للتواصل مع مجموعات أخرى.
ثمة استياء في مدن نافذة بسبب التهميش على يد ميليشيات طرابلس


بحلول آذار/ مارس 2017، سيطرت الميليشيات الأربع على أغلب مركز طرابلس، وفي أيار/ ماي من العام نفسه، أزاحت خصومها المتبقين من مواقعهم في جنوب المدينة، واستمرت في مواجهة مقاومة عنيدة من قبل ميليشيات محليّة في منطقة تاجوراء شرق العاصمة. دعمت «بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا» توسّع هذه الميليشيات من خلال موافقتها الضمنيّة، وكذلك من خلال نصائحها إلى «حكومة الوفاق الوطنيّ» المرتبطة بها. قام هذا الدعم على أمل أنّ يؤسس المجلس الرئاسيّ تدريجاً قوّته الخاصّة، أي «الحرس الرئاسيّ»، لحماية نفسه، لكن تأثير الميليشيات الأربع المتنامي ضمِن بسرعة ألا يصير «الحرس الرئاسيّ» قوّة ذات شأن.
ووفقاً لسياسيّين وقادة ميليشيات وإداريين في طرابلس، صار المجلس الرئاسيّ وحكومة الوفاق الوطنيّ محض واجهة تتحكم من ورائها المجموعات المسلحة ومصالحها في مجريات الأمور، وينحدر أغلب المعينين الجدد، من طرابلس نفسها، ما يمسّ بمعادلة التقسيم الجغرافيّ التي تأسست عليها حكومة الوفاق الوطنيّ.
على رغم حضور حفنة من الميليشيات المصراتيّة في طرابلس، فإن أغلب ميليشيات تلك المدينة، وكثير من سياسييها، يزداد استياؤهم إزاء تهميشهم على يد اتحاد ميليشيات طرابلس. أما الزنتان التي تحتضن ثاني أكبر مجموعات مسلحة في غرب ليبيا بعد مصراتة، فيختلط فيها الاستياء برغبتها القائمة منذ أمد في الرجوع إلى العاصمة وطمس الإهانة التي عانت منها قبل أربعة أعوام حين طُردت بالقوّة من المدينة على يد تحالف تقوده مصراتة. وحتى التعيينات الأخيرة لعدد من الوجوه الزنتانيّة في مناصب عليا في طرابلس لا تكفي لتسكين ذلك الطموح، كما تستقر قوّة أخرى لها مخططات للعاصمة في مدينة ترهونة.
طوال الأشهر الأولى من هذا العام، حاول فاعلون من هذه المدن الثلاث، بناء تحالف لدخول طرابلس بالقوّة. لكن درجة تعقد التحالفات حول العاصمة والالتزام مع بعثة الأمم المتحدة، استطاعا إلى حد الآن، الحيلولة دون وقوع مثل هذا الهجوم. لكن كلما طال الوضع الحاليّ في طرابلس، ازدادت فرص إشعال هذه القوى لصراع حول العاصمة.