لم يغيّر الاعتداء الأخير ضد مواقع عسكرية أيّاً من الأحداث المهمة الجارية في الميدان، وعلى رأسها المعارك ضد «داعش» في الحجر الأسود واتفاق مخيم اليرموك المحميّ بضمانات من «ثلاثي أستانا»، إلى جانب التحضيرات لحسم ملف ريف حمص الشمالي، بالمفاوضات أو النار. وبالتزامن، استكملت زيارة وفد برلماني إيراني لدمشق، وفق جدولها المخطط، برغم الزخم العسكري والإعلامي الذي ينصبّ على الوجود الإيراني في سوريا.بقيت العديد من تفاصيل الاعتداء الأخير الذي استهدف عدة مواقع عسكرية ليل أول أمس، غير واضحة، برغم مرور أكثر من أربع وعشرين ساعة على وقوعه. هذه الضبابية التي غلّفت ملابسات الاعتداء والجهة المنفّذة، لم تنعكس سلباً على العمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه، أو على مسار اتفاقات التسوية التي تجرى بشكل متزامن بين دمشق وريف إدلب، ويجري التفاوض عليها في ريف حمص. وكان لافتاً أن التصريح الرسمي الوحيد من دمشق، اقتصر على أول إعلان نقلته الوكالة الرسمية عن مصدر عسكري، فيما لم يخرج أي بيان رسمي من وزارة الدفاع يتحدث عن العدوان، أو الخسائر التي سببها، وأشارت وكالة «تسنيم» الإيرانية، إلى أن «التقارير عن هجوم على قاعدة عسكرية إيرانية... واستشهاد عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، لا أساس لها».
وشهدت دمشق لقاء لافتاً في توقيته، بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي. وبرغم أن زيارة الضيف الإيراني كانت مجدولة قبل العدوان الأخير، فإن اللقاء يمكن اعتباره ــ مع ما سبقه من اجتماعات ثنائية ــ رسالة تفيد بأن الوجود الإيراني في سوريا، والذي كان الهدف الرئيس للصواريخ أول من أمس، مرتبط بتعاون وتنسيق وثيق مع الحكومة السورية، ولا يمكن الرهان على إضعافه عسكرياً فقط. وخلال اللقاء، أكد الأسد أن العدوان «لن يزيد السوريين إلا تصميماً للقضاء على الإرهاب بمختلف أشكاله والتمسك بسيادتهم». بدوره، رأى بروجردي أن «صلابة محور المقاومة» هي التي أفشلت العدوان على سوريا.
وبرغم الضجة التي تلت العدوان، فقد استمرت التحركات العسكرية على الأرض بمعزل عن ملابساته. وشهد أمس انطلاق المرحلة الأولى من الاتفاق الخاص بمخيم اليرموك وبلدتي كفريا والفوعة، إذ دخلت حافلات إلى المخيم لإخراج الدفعة الأولى من مسلحي «جبهة النصرة» مع عدد من المدنيين، بالتزامن مع عبور حافلات خطوط التماس على محور العيس في ريف حلب الجنوبي، باتجاه بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب. ويفترض أن يستكمل تحضير الدفعة الأولى من أهالي البلدتين (أكثر من 1000 شخص) ليصار إلى إخراجها وعبورها نقطة العيس، بالتزامن مع خروج المسلحين والمدنيين من اليرموك، حيث سينقل أهالي البلدتين إلى مركز إقامة مؤقت في جبرين، شرقي حلب. وقام الجيش قرب خطوط التماس شمال مخيم اليرموك بتحضير الممر الذي ستعبره الحافلات في طريقها إلى أطراف دمشق، وباتجاه الشمال السوري. وفي السياق نفسه، أعلنت الأمم المتحدة أنها «ليست طرفاً» في إقرار أو تنفيذ هذا الاتفاق. وقال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوغريك، إن «الأمم المتحدة تدعو جميع الأطراف، وأولئك الذين لهم نفوذ عليهم، إلى ضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام وغير معوق». وفي المحيط الجنوبي للمخيم، لم ينخفض الزخم العسكري ضد تنظيم «داعش» في منطقة الحجر الأسود، حيث يكثف الجيش عملياته البرية هناك بالتوازي مع قصف جوي ومدفعي لمواقع التنظيم. ويحاول الجيش إضعاف المسلحين في جيب «داعش» لحين اكتمال تنفيذ اتفاق مخيم اليرموك واتفاق بلدات ببيلا وبيت سحم، بما يتيح له الضغط على منطقة الحجر الأسود من جميع الجهات، تمهيداً لإنهاء وجود «داعش» أو استسلام التنظيم وترحيل من بقي من مقاتليه إلى البادية الشرقية.
وعلى بعد كيلومترات قليلة من «اللواء 47» المستهدف في العدوان، كثّف الجيش استهدافه لمواقع المسلحين المحاصرين بين ريفي حماة وحمص، في محيط مدينتي الرستن وتلبيسة. وجاء هذا الاستهداف قبيل هدنة مؤقتة تهدف إلى إتاحة الفرصة أمام المفاوضات التي يجريها ممثلون عن مركز المصالحة الروسي ووفد الفصائل المسلحة هناك. وفي ضوء بعض الخلافات العالقة بين المسلحين أنفسهم، حول الاتفاق، تشير المعلومات إلى اتجاه نحو قبول التسوية التي ستتضمن ترحيل رافضيها إلى إدلب، وحلحلة ملف من يريد البقاء لدى الجهات الحكومية. ويفترض أن تستمر الهدنة إلى ظهر اليوم، على أن تعبتر لاغية إذا لم يبلغ المسلحون الطرف الروسي بقبولهم بنود الاتفاق التي تم التفاوض عليها. وفي السياق نفسه، تشير مصادر ميدانية إلى أن الجيش يحضّر لاحتمال انهيار مسار التفاوض، ولهذا الغرض فقد وصلت تعزيزات كبيرة إلى الجبهات المحيطة بالجيب الخاضع لسيطرة المسلحين، وستكون مستعدة لإطلاق عمليات أوسع في حال انتهاء الهدنة من دون توافق على التسوية.