غزة | علمت «الأخبار» أن السلطات السعودية مارست خلال الشهر الماضي ضغوطاً كبيرة على القاهرة لثنيها عن محاولاتها دفع رئيس السلطة، محمود عباس، إلى التراجع عن خطواته ضد قطاع غزة، وتأجيل عقد المجلس الوطني ليشمل جميع الفصائل بما فيها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وذلك بعدما شكا عباس إلى الرياض الضغط المصري. وتزامنت الضغوط السعودية مع ضغوط إسرائيلية أخرى لمنع القاهرة من تحسين الواقع الاقتصادي في قطاع غزة، وإبقائه مهدداً بالانهيار.ووفق ما تحدثت به المصادر، التي أبلغتها جهات في القاهرة بالموقف المصري المستجد حول المصالحة الفلسطينية، فإن الضغط السعودي جاء بتنسيق مع أميركا وإسرائيل، لتقييد «حماس» سياسياً وعسكرياً خلال الفترة الحالية، بما يتيح المجال لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق «خطة السلام» التي ينوي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طرحها خلال الفترة المقبلة. وفي استجابة للرغبة السعودية، أعادت مصر نظرها في قضية دعم القيادي «الفتحاوي»، محمد دحلان، الذي بات ملفه «شبه مجمّد» راهناً، كي لا يؤثر على توجه عباس للمفاوضات في المرحلة القادمة. وبالتوازي مع ذلك، كان العمل جارياً على عقد «المجلس الوطني»، بهدف تعزيز مكانة «منظمة التحرير الفلسطينية» بوصفها «الممثل الشرعي والوحيد» للشعب الفلسطيني، والخروج بتوصيات تدعم عملية التسوية، وهو الأمر الذي أبلغه السعوديون للقاهرة، مشددين على ضرورة تجديد «شرعية» المنظمة بعيداً عن «حماس» و«الجهاد».
كذلك، أبلغت السعودية، مصر، أن عباس سيتوجه ــ بإرادته أو مرغماً ــ، بعد عقد المجلس الوطني، نحو المفاوضات المباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية، وفق الرؤية التي سيطرحها ترامب، وهو ما سيمهد الطريق أمام «تحالف عربي ــ إسرائيلي» لمواجهة إيران. أما في حال رفض عباس ذلك، فستوقف السعودية دعمها للسلطة، ولن تعارض العمل على إيجاد بديل منها في أقرب وقت. معلومات تعزّزها التصريحات الأخيرة المنقولة عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والتي قال فيها إن «على الفلسطينيين أن يوافقوا على الجلوس إلى طاولة التفاوض، وإن لم يفعلوا ذلك فعليهم أن يخرسوا ويكفوا عن الشكوى».
ويأتي الكشف عن الضغوط السعودية في وقت انطلقت فيه أعمال الدورة الثالثة والعشرين لـ«المجلس الوطني الفلسطيني»، وسط مقاطعة أكثر من 150 عضواً، وغياب عدد من الفصائل الفلسطينية، أبرزها «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية». والمفارقة أنه، لأول مرة في تاريخ المنظمة، تحضر أعمالَ الدورة، التي انطلقت مساء أمس في رام الله، شخصيات يهودية وإسرائيلية يسارية، تمت دعوتها للتأكيد على «خيار السلام». وتتواصل جلسات «الوطني»، المنعقد تحت عنوان «القدس وحماية الشرعية الفلسطينية»، على مدار أربعة أيام، ويُنتظر أن يتم في ختامها انتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة، والمجلس المركزي.
وأعلن عباس، في كلمته الافتتاحية، رفضه «مبادرة السلام» التي ينوي الرئيس الأميركي طرحها نهاية الشهر الحالي، طالما أنها «لا تشمل حل الدولتين، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين»، مُبرِّئاً السعودية من «أي مواقف سلبية حول القضية الفلسطينية». وفي ما يتعلق بالمصالحة، أبدى عباس رغبته بمواصلة هذا المسار «رغم محاولة اغتيال رئيس الوزراء رامي الحمدالله»، مُجدِّداً دعوته «حماس» إلى «تسليم كل شيء لحكومة التوافق أو تحمل مسؤولية كل شيء».
وفي السياق نفسه، علمت «الأخبار» من مصادر قيادية «فتحاوية» أن «فتح أعدت تصوراً كاملاً لجلسات المجلس الوطني»، بما في ذلك التغييرات في هيكلية المجلس، والشخصيات التي سيتم انتخابها في اللجنة التنفيذية للمنظمة والمجلس المركزي، بما يحقق مزيداً من السيطرة للحركة على مفاصل «منظمة التحرير» بنسبة تتراوح ما بين 65 و75%. ووفق توصية عباس للجنة «الفتحاوية» التي شُكِّلت قبل عدة أشهر، فقد أقرت اللجنة إجراء تغييرات جوهرية في «المجلس الوطني»، أبرزها إلغاء عدد من الدوائر بشكل نهائي، وهي دائرة الشؤون العسكرية والقدس والمغتربين، ودمج عدد من الدوائر الأخرى ضمن صلاحيات الحكومة الفلسطينية. وتضيف المصادر أن حركة «فتح» ستعمل على تعديل القانون الأساسي في «منظمة التحرير»، ليمنح المجلس المركزي صفة التشريع، وبالتالي صلاحية حلِّ السلطة أو جزء منها، بما في ذلك المجلس التشريعي، إضافة إلى منح اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير» تعيين رئيس للمنظمة في حال غياب رئيسها لأي سبب من الأسباب.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، قد استبق عقد «الوطني» بشنّه هجوماً على الرئيس الفلسطيني، متهماً إياه بـ«إقصاء القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية»، مهدداً بأن حركته قد تضطر الى إعادة النظر في مواقفها بشأن المنظمة، في ظل «تمسك قيادة السلطة بسياسة التفرد والإقصاء». واعتبر أن انعقاد «المجلس الوطني» بهذه الطريقة «يمس بشكل صارخ وحدة الشعب الفلسطيني، ويقلب المنظمة وشرعيتها وجدارة تمثيلها»، داعياً إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية، والإعداد لمجلس توحيدي يجهّز لعملية الانتخابات، ضمن رؤية تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير».