مع دخول اتفاق التسوية في ريف حمص الشمالي مرحلة التنفيذ الفعلية التي تتضمن إجلاء أعداد من المسلحين والمدنيين نحو الشمال، واستمرار التسوية كما المعارك في محيط دمشق الجنوبي، باتت الأسئلة حول وجهة الجيش السوري الجديدة مرتبطة بمآل التوافقات الدولية التي ضمنت «تهدئة» مرحلية في كل من إدلب ومحيطها والمنطقة الجنوبية، كما في الشرق السوري.بعد أربعة أعوام كاملة على استقبال ريف حمص الشمالي للمسلحين المغادرين من أحياء المدينة القديمة بموجب اتفاق تسوية شكّل علامة فارقة في تاريخ الحرب وفتح المجال أمام تسويات غيّرت الواقع الميداني والسياسي، انطلقت أمس عملية إخراج الدفعة الأولى من المسلحين والمدنيين من الجيب نفسه إلى الشمال السوري. التسوية هذه المرة تأتي ضمن سلسلة من الاتفاقات المماثلة التي أنهت ملف أبرز الجيوب المسلّحة في محيط العاصمة ووسط البلاد، بعد حصار طويل، والتي أفضت (عملياً) إلى حصر نفوذ الفصائل المسلّحة في جيبين حدوديين مع تركيا والأردن، يحكمهما اتفاق تهدئة بضمانات دولية من داعمي الأطراف الفاعلة هناك. وبينما تستمرّ عمليات إجلاء المدنيين والمسلحين من محيط دمشق الجنوبي، بالتوازي مع العمليات العسكرية ضد «داعش» في اليرموك ومحيطه، يبدو جيب ريف حمص الشمالي، كآخر المعاقل المسلحة في وسط البلاد، على رغم أنه كان من أوائل المناطق التي شهدت تواجداً مسلّحاً في سوريا.
يعد «جيب ريف حمص» آخر المعاقل المسلحة وسط البلاد


وبمعزل عن الجانب الرمزيّ لعودة هذا الجيب إلى سيطرة الحكومة السورية، فإن تلك العودة تعني على المستوى العسكري، حصر المحاور التي يقاتل فيها الجيش بجبهات تشهد هدنة مرتبطة بتوافقات دوليّة مرحليّة. وهو ما سيضع تلك التوافقات على المحك، في مرحلة تشهد ضغوطات واسعة تقودها واشنطن وحلفاؤها، بهدف ضرب تفاهمات مسار أستانا، الروسية ــ التركية ــ الإيرانية، و«تقييد النفوذ الإيراني» في سوريا، بتحفيز مستمر وجهد عسكري وديبلوماسي من الجانب الإسرائيلي. ومن المؤكد أن هذه الملفات الحساسة ستحضر خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو، خصوصاً أن اللهجة الإسرائيلية تتصاعد تجاه طهران ودمشق. إذ ذهب وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، أمس، إلى التهديد بالعمل على اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد «إذا سمح الأسد لإيران بتحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية ضدنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» عن صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية. وجاء ذلك عقب أحاديث إسرائيلية عن توقعات بـ«هجوم محتمل» قد تشنه إيران «انطلاقاً من سوريا».
على الأرض، تضمنت الدفعة الأولى من المسلحين والمدنيين المغادرين من ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي نحو مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي، 62 حافلة انطلقت مساء أمس، من جسر الرستن. وبدأت العملية بعد تسليم المسلحين لدفعات من سلاحهم الثقيل ورفع السواتر الترابية التي كانت تغلق الطريق الدولي قرب الرستن. وبالتوازي، استمر خروج الحافلات من بلدات بيت سحم وببيلا ويلدا أمس نحو كل من ريف إدلب وجرابلس، حيث تم تحضير أكثر من 60 حافلة داخل بيت سحم، على أن يصار إلى تسييرها بعد اكتمال التفتيش. ووصل عدد الحافلات التي خرجت خلال الأيام الماضية (من دون الأمس) إلى 171 حافلة،. وعلى أطراف البلدات الثلاث الغربية، تستمر المعارك بين الجيش وتنظيم «داعش» المتحصّن في قلب منطقتي الحجر الأسود ومخيم اليرموك. وعلى رغم صغر المساحة التي بقيت في يد التنظيم في الحجر الأسود، فإن تقدم الجيش بات بطيئاً خلال اليومين الأخيرين، لمحاولة تفادي وقوع خسائر في صفوفه. وعلى رغم ذلك تمكن الجيش أمس من السيطرة على عدد من كتل الأبنية، بينها المسجد الشافعي وثانوية تقنيات الحاسوب، في شمال غربي الحجر الأسود.