لم يعد هناك مجال للمواربة في المعركة الدائرة بين السلطات المصرية الحالية والسلطات التي تم عزلها ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين ومناصريها، وخاصة مع اقتراب أول استحقاقات خارطة المستقبل التي تضع فيها السلطات آمالاً كبيرة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، إذ أقرَّ رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي، في تصريح غير مسبوق، بأن قرار الحكومة اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية هو «قرار سياسي جاء بسبب ما ظهر من أعضائها من أفعال إرهابية». وشدد الببلاوي على أهمية الاستحقاق الدستوري، وقال في حديث إلى قناة «العربية الحدث»، أمس، إن نزول المصريين بكثافة للمشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور هو ما سيشيع الشعور بالأمان لدى الجميع، داعياً جميع المصريين إلى الوحدة، ومتمنياً أن تبدأ مصر بكل أبنائها عصراً جديداً.
لكن هذه الدعوة وُوجِهت بفتوى «تحريم المشاركة في الاستفتاء». ففي استغلال جديد للدين لمصالح سياسية، أفتى الشيخ يوسف القرضاوي المقرّب من «الإخوان» بأن المشاركة في الاستفتاء على الدستور «عمل محرم شرعاً».
وقال القرضاوي المصري الأصل، والذي يحمل الجنسية القطرية، في بيان أمس، «أنا أرى المشاركة في الاستفتاء على الدستور والمساهمة في أي عمل من شأنه أن يقوّي هذه السلطة الانقلابية أو يمنحها الشرعية أو يطيل أمد وجودها أو يقوّي شوكتها، يعدّان من التعاون على الإثم والعدوان». وبعد حسم الجدل الذي كان دائراً في الأوساط المصرية بتحديد إجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، ما يعني أنها قد تجري في نيسان المقبل، ارتفعت كثيراً فرص إعلان وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي نيته خوض الانتخابات الرئاسية مدفوعاً برغبة كثر وتملق كثر آخرين. وللمرة الثانية في ثلاثة أيام قالت وسائل إعلام محلية يوم الاثنين إن السيسي حسم أمر ترشحه نهائياً. وإذا صحّ ما يذهب إليه الإعلام المصري، فإن السيسي سينهي بذلك الجدل الحاصل حول ضرورة ترشحه ويضع حداً للتكهنات حول نيته، لكنه من جهة ثانية سيزيد الانقسام المصري بين من يعتقدون أن مصر بحاجة إلى يد قوية تساعدها على الخروج من أزمتها، ومن يرون أن تسلمه لهذا المنصب سيؤجج الأزمة لأنه سيدعم وجهة نظر من يصفون ما عزل الرئيس محمد مرسي بأنه انقلاب يسعى العسكر من خلاله إلى السيطرة على الدولة.
وقال مسؤول في الأجهزة الأمنية في حديث إلى وكالة «رويترز»، طالباً ألا ينشر اسمه، «على الأرجح سيعلن السيسي أنه سيخوض انتخابات الرئاسة». وأضاف «قيادة الجيش عبّرت في اجتماع عقد في الآونة الأخيرة عن تأييدها لترشحه». لكن الجيش كان قد أصدر السبت الماضي بياناً، في ردّ على تقرير تلفزيوني يؤكد أن السيسي سيترشح، قال فيه إن الجيش لم يصدر شيئاً في هذا الشأن عبر مصادر مجهولة، وحثّ وسائل الإعلام على اتباع القواعد المهنية في التغطية.
وترى «رويترز» أن إعلان السيسي لخطة الترشح للرئاسة مسألة وقت، وأنه ما من شك في أنه سيكسب الانتخابات، «وهو ما سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء عندما كان رجال من الجيش يكسبون الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية، وهو الوضع الذي أنهاه مرسي بفوزه في انتخابات عام 2012» بحسب الوكالة.
وعلى كل حال، فإن ترشح السيسي ينطوي على مخاطرة كبرى، إذ إن فشل الرجل في مهماته الجديدة كرئيس، خاصة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، سينعكس بنحو سيّئ جداً على الأوضاع في مصر وعلى المؤسسة العسكرية في هذا البلد. وفيما يؤكد أحد التقارير الاستخبارية المصرية التي نشرتها «الأخبار» السبت الماضي، في عددها رقم 2190، حول اتجاه «الإخوان» للتصعيد ضد السلطات المصرية عبر المحاكم الدولية هذا العام، أعلن محامو «الإخوان» في لندن أمس أنهم تقدموا بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية، مطالبين إياها بفتح تحقيق حول جرائم بحق الانسانية قد تكون ارتكبت في مصر.
وقال المحامي جون دوغارد، خلال مؤتمر صحافي عقده المحامون، «لا بد من توجيه رسالة واضحة إلى النظام العسكري المصري مفادها أنه يجازف بأن يلاحق قضائياً. وهذا هو الهدف من الاعلان بالموافقة على التحكيم الدولي».
وفي السياق، تعقد محكمة جنايات القاهرة اليوم الجلسة الثانية لمحاكمة مرسي و14 آخرين بتهمة التحريض على قتل متظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي. وقالت مصادر في الداخلية لصحيفة «المصري اليوم» إن الوزارة اعتمدت خطة لتأمين جلسات المحاكمة سيشارك فيها أكثر من 5 آلاف ضابط ومجند شرطة وأكثر من 30 سيارة مدرعة ومصفحة، مشيرة إلى أن عملية التأمين تتضمن عدة محاور أهمها تأمين نقل مرسي من محبسه في سجن برج العرب إلى مقر أكاديمية الشرطة، ثم إعادته. وأمر وزير الداخلية محمد إبراهيم، خلال اجتماع مع مساعديه أمس، بعدم السماح بالحضور داخل قاعة محاكمة مرسي إلا لحاملي التصاريح، مشدداً على التعامل بنحو فوري وحاسم مع أي تجمعات أو محاولات تهدّد إعاقة سير المحاكمة.