في حرب الروايات والصدقية، يقرّ الإسرائيليون بصدقية الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله. وإن كان الإقرار ليس جديداً، بل سُنّة يسير عليها الإسرائيليون منذ أعوام، لكنه في هذه المرحلة حقيقة من شأنها «تصحيح» ما تسرّب إلى الوعي الجمعي لدى الإسرائيليين، وكذلك في الجانب الثاني من الحدود، من مغالطات مقصودة بثّها الجيش الإسرائيلي في أعقاب «ليلة الصواريخ» السورية على المواقع العسكرية الإسرائيلية، في العاشر من الشهر الحالي.الرواية المغلوطة للجيش الإسرائيلي حول المواجهة الصاروخية كانت مفرطة في التحريف وتعمية الحقائق، إلا أن الإعلام العبري، كما بدا في اليوم الثاني على المواجهة، تبنّى بالمطلق رواية الجيش الإسرائيلي كما وردت إليه وتماشى مع «التعليمات»، رغم إدراك عدد كبير من المراسلين والمعلقين مستوى المبالغة فيها. وما إن نطق السيد نصر الله بالحقائق، حتى سارع معظمهم إلى تبنّي ما ورد في مضمون كلامه.
انحراف الاعلام العبري أمس، في أعقاب كلمة نصر الله في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد القائد الشهيد مصطفى بدر الدين، جاء تملصاً من الرقابة العسكرية، لكن بحسب الإجراءات المتبعة من قبلها: منع نشر ابتدائي لمعلومات محظر نشرها والتقيد بالروايات الرسمية كما ترد، إلا في حال ورد معطى مغاير في خارج إسرائيل، فيصار إلى تصديره ونشره. وبما أن المعطى كما ورد في كلمة نصر الله كان ممنوعاً من النشر ابتداءً، جرى التركيز عليه بشكل لافت وشبه جامع لدى المعلقين الإسرائيليين، وتحديداً ما يتعلق بعدد الصواريخ التي استهدفت المواقع الإسرائيلية، خلافاً لرواية جيش العدو، وكذلك الإقرار بأن إسرائيل استهدفت «مواقع مخلاة» وفارغة، في الجانب الثاني من الحدود.
إلى ذلك، ورد في التعليقات توصيف لكلام نصر الله، عن دقته وصدقيته وقربه أكثر للواقع ممّا ورد في البيانات العسكرية للناطق باسم الجيش الإسرائيلي. ومن جملة التعليقات: «قال إنه تم إطلاق 55 صاروخاً باتجاه الجولان، وهذا قريب من الواقع» (القناة الثانية)؛ «تحدث عن إطلاق 55 صاروخاً، وهو أقرب إلى الحقيقة» (القناة الثانية)؛ «قد يكون العدد أقل ممّا قاله، لكنه بالتأكيد أكثر ممّا ورد لدى الجيش الإسرائيلي» (مراسل «يديعوت أحرونوت»)؛ «في كلامه عنوانان: عدد الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل هو 55 صاروخاً، ما يناقض بيان الجيش عن 20 صاروخاً، أما العنوان الثاني فهو التأكيد أن الرد الذي وصفته إسرائيل باللاسابق له، ليس إلا رداً بسيطاً وصغيراً وقصفاً لمواقع فارغة» (قناة «كان»).
مع ذلك، حافظ معلّقو وسائل الإعلام العبرية على الرواية الرسمية، رغم تشكيكهم في عدد الصواريخ التي أطلقت على الجولان، مع شبه تبنّ لما ورد على لسان نصر الله، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات حول حقيقة ونتيجة جولة تبادل الضربات في ليلة الصواريخ، في العاشر من الشهر الجاري، إذ من يكذب في معطى لا يُستبعد أن يكذب في معطيات أخرى، خاصة أنه كان بمقدور إسرائيل أن تخفي معطياتها الميدانية، حيث المواقع التي جرى استهدافها بعيدة عن المناطق المدينية والمبنية في أقصى منطقة في حرمون، وهي عسكرية بحتة ومغلقة على سلسلة من المواقع، بإمكان الرقابة العسكرية الإمساك بمعطياتها ومنع نشر وتداول ما حدث فعلياً فيها، وبالتالي منع نشر مقدار الخسائر فيها.
مع ذلك، المعطى والإدراك الرئيسي في كلمة الأمين العام لحزب الله، كما ورد في التعليق الإسرائيلي أمس، تعلق بـ«الخط الأحمر» الذي شدد عليه، والذي يفرض الرد وفي عمق إسرائيل، إضافة إلى التشديد على أن «حرية عمل» الجيش الإسرائيلي في المناطق السورية لم تعد كما كانت عليه. بحسب القناة (12): «رسالة نصر الله بسيطة جداً ولاذعة جداً، وهي أنّ مرحلة حرية العمل الكاملة لسلاح الجو الإسرائيلي في تنفيذ هجمات في سوريا قد انتهت بالفعل».