الجزائر | فرض خروج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أمس، حصاراً شديداً على العاصمة الجزائرية، التي شهدت اختناقاً مرورياً كثيفاً، بعد إغلاق كل مداخلها بفعل الإجراءات الأمنية. وقد قام الرئيس الجزائري الذي يعاني من متاعب صحية بتدشين مقرّ «الزاوية البلقايدية»، كما تفقّد تقدّم أشغال جامع الجزائر الواقع في الضاحية الشرقية للعاصمة، فيما رافق بوتفليقة في جولته وزراء الداخلية والسكن والشؤون الدينية والأوقاف.ويأتي حرص الرئيس بوتفليقة على تدشين مقرّ «الزاوية البلقايدية» شخصياً، انطلاقاً من اهتمامه الشديد بالزوايا والتوجه الصوفي في الجزائر، حيث ينحدر الرئيس من منطقة في أقصى غرب البلاد معروفة بالتصوّف. وتدفع السلطات الجزائرية باتجاه التمكين للصوفية في الجزائر، لمواجهة ما تعتبره خطر المدّ الوهابي في البلاد الذي ينافي المرجعية الدينية المحلية. ويحتدم جدل كبير في الجزائر حول التيار الوهابي وأتباع الشيخ السعودي ربيع المدخلي، خاصة بعد سيطرتهم على الكثير من المساجد، وإطلاقهم فتاوى غريبة، تُخرِج بقية المذاهب «من دائرة أهل السنّة والجماعة». ووصل الأمر بوزير الشؤون الدينية محمد عيسى إلى وصف هذا التيار بأنه «طائفة لها أجندة أجنبية تسعى لتجسيدها في الجزائر»، واعداً ببذل الدولة قصارى جهدها «لمنعهم من ارتقاء المنابر في المساجد».
وفي حديث إلى وكالة «فرانس برس»، اعتبر الباحث المتخصص في الفكر الصوفي، سعيد جاب، أنّ مشاركة بوتفليقة في هذا التدشين هدفها تذكير «الشعب الجزائري بأنّ السلطات متمسّكة بالتصوف»، مذكّراً في الوقت نفسه بأنّ للزوايا دوراً سياسياً أيضاً.
أما المشروع الثاني الذي تفقّده الرئيس الجزائري، فهو المسجد الذي يُبنى بمحاذاة البحر على شاطئ العاصمة الشرقي، وهو مشروع يحرص بوتفليقة على متابعته شخصياً حتى صار يُعرف هذا المسجد باسمه. ويُعتبر هذا المسجد الضخم، الذي يرتقب انتهاء أعماله في نهاية 2018، أكبر مسجد في أفريقيا، والثالث في العالم بعد مسجد مكة والمسجد النبوي في المدينة، حيث يتربّع على مساحة تُقدّر بأكثر من 27 هكتاراً، ويتضمن قاعة للصلاة بمساحة 20 ألف متر مربع وباحة ومنارة بعلو 267 متراً، بالإضافة إلى مكتبة ومركز ثقافي ودار القرآن.
زار الرئيس بوتفليقة المسجد الكبير الذي يُبنى شرقي العاصمة


ويتعرض هذا المسجد لانتقادات كبيرة من قبل قوى سياسية لا ترى جدوى من إنفاق كل هذه الأموال لبنائه، في ظل ما تعانيه الجزائر من حاجة ماسة إلى دعم قطاعات أخرى أكثر حساسية، مثل الصحة والسكن. وبحسب التقارير الرسمية، سيتكلف هذا المسجد 1.2 مليار دينار، إلا أن كلفته الحقيقية حسب خبراء ستتجاوز 3 مليارات دولار. في المقابل، يدافع التيار الإسلامي بقوة على إنجاز هذا المسجد، حتى من المعارضين للرئيس، لأنه يُعبّر عن «بُعد الجزائر الإسلامي في مواجهة تيارات التغريب والعلمنة»، كما أنه يُبيّن وجه العاصمة الحقيقي التي تسيطر فيها المباني الموروثة عن الحقبة الاستعمارية.
وكعادة خروجات بوتفليقة، ظهر جمع من أنصاره في استقباله، مردّدين دعواتهم له إلى استكمال الحكم لولاية رئاسية خامسة، خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في ربيع العام المقبل. وعلى الرغم من مرضه، فإنّ أحزاب الموالاة بدأت تحشد الدعم والتأييد للرئيس، رغبةً في «إقناعه باستكمال المسيرة». أما المعارضة، فترى أن مشروع الولاية الخامسة يُعدّ «انتحارياً بالنسبة إلى الجزائر»، لأنّ الرئيس «ليس في كامل قدرته على الحكم». وتشير قراءات متداولة إلى أن الرئيس بوتفليقة لن يحسم خياره إلا قبل أشهر قليلة من «الرئاسيات»، لذلك فإن الدعوات الحالية لا تعدو كونها مبادرات شخصية من أطراف مستفيدة من نظام حكمه.
من جانب آخر، لم يخلُ برنامج الرئيس بوتفليقة أمس من توجيه رسائل ديبلوماسية إلى المملكة المغربية، تأتي في سياق الأزمة بين البلدين التي افتعلها المغرب بتوجيهه اتهامات إلى الجزائر حول مزاعم باحتضان حزب الله اللبناني والسماح له بتدريب عناصر من جبهة البوليساريو. وذكر بوتفليقة في رسالة له، لمناسبة إحياء «اليوم العالمي للعيش معاً في سلام»، أنّ «تعامل الجزائر مع جيرانها وكافة شركائها قائم على مبادئ السلم والتعايش والتعاون وحسن الجوار». وأوضح أنّ الجزائر كانت دوماً «من رواد الدعوة إلى تعزيز الحوار... وترقية ثقافة السلم».
والدارج في الجزائر أنّ رئيس الجمهورية هو الممسك بالملف الديبلوماسي، بينما وزارة الخارجية ما هي إلا أداة لتنفيذ توجيهاته. لكن مع مرض الرئيس في السنوات الأخيرة، أصبح تحرك بوتفليقة الدولي شبه معدوم، إذ يكتفي فقط باستقبال عدد من الرؤساء والمسؤولين الأجانب الذين يزورون البلاد، وهو ما أثّر، كما يرى البعض، على مردودية الديبلوماسية الجزائرية التي كانت معتادة في السابق المبادرات الديبلوماسية في الدول التي تعاني من نزاعات، في أفريقيا والعالم العربي.