على الرغم من تعالي الأصوات الداعية إلى وقف عقوبة إسقاط الجنسية في البحرين، إلا أن سلطات المنامة تصرّ على تنفيذها بحق مواطنيها، بالِغة بها مستوىً جماعياً يكاد يكون غير مسبوق، بإصدارها أول من أمس قراراً بإسقاط جنسية 115 مواطناً بحرينياً. مشهدٌ قاتمٌ تأبى السلطات إلا أن تُتِمّه بضخّها جرعات إضافية على طريق التطبيع مع إسرائيل، في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات الشعبية الرافضة لمواقف النظام وخطواته في هذا الإطار.وتواصلت، أمس، ردود الفعل الداخلية والخارجية المندّدة بإصدار المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة أحكاماً بالسجن المؤبد على 53 مواطناً، والسجن لفترات تراوح بين ثلاث سنوات و15 سنة على 62 آخرين، وإسقاط الجنسية عن 115 متهماً في القضية المعروفة بـ«كتائب ذو الفقار». واتُّهم المحكوم عليهم، بحسب البيان الصادر عن المدعي العام البحريني، بـ«إحداث عدة تفجيرات، وحيازة مفرقعات، والتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات، والشروع في قتل أفراد الشرطة». تهم استندت إلى «اعترافات منتزعة تحت التعذيب»، بحسب بيان صادر عن «منظمة العفو الدولية»، التي أكدت أن الأحكام الجديدة «أكثر الأحكام صرامة حتى الآن»، معتبرة إياها «دليلاً آخر على أن سلطات البحرين لا تولي أي اعتبار للمعايير الدولية الخاصة بالمحاكمات العادلة».
وقالت المسؤولة في المنظمة، لين معلوف، أمس، إنّ «من غير الممكن تحقيق العدالة عندما تُسقَط جنسية هذا العدد من الأشخاص»، مُجدّدة اتهام السلطات البحرينية بأنها «تستخدم إسقاط الجنسية والطرد من البلاد كأدوات لسحق كل أشكال المعارضة». وسبق موقفَ «العفو الدولية» بيانٌ صادرٌ عن «معهد البحرين للحقوق والديمقراطية» اعتبر أن «هذا الحكم القاسي والمثير للغضب يؤسس مستوى جديداً من الظلم في البحرين»، واصفاً إياه بأنه «أسوأ حكم مسجل على الإطلاق». وأشار الناشط في المعهد، سيد أحمد الوداعي، إلى أنه بأحكام الثلاثاء يرتفع إلى 717 عدد البحرينيين المُجرَّدين من جنسياتهم منذ عام 2012، مضيفاً أن المحاكم تنظر في 213 قضية في العام الجاري وحده. وكانت السلطات البحرينية قد أصدرت، في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، أحكاماً بتجريد 47 مواطناً من جنسياتهم بتهمة «الانضمام إلى خلية إرهابية».
ارتفع إلى 717 عدد البحرينيين المُسقَطة جنسياتهم منذ 2012


ورأت «جمعية الوفاق» المعارِضة، من جهتها، في الأحكام الأخيرة «استمراراً لسياسة تكميم الأفواه وقمع المعارضين»، لافتة في بيان إلى أن «النظام في البحرين لجأ إلى تفعيل دور القضاء في معاقبة المعارضين، وهو ما دفعه إلى إصدار آلاف الأحكام الانتقامية بحق المطالبين بالديمقراطية». وفي بيان لاحق أمس، أفادت «الوفاق» بتسجيل عمليات اقتحام لعشرات المنازل فجر الأربعاء، في ما لا يقلّ عن 13 منطقة، موضحة أن القوات البحرينية عمدت إلى اعتقال عدد من المواطنين من دون إبراز أي إذن بالتفتيش والاعتقال.
وجاءت تلك المداهمات بعد قمع القوات البحرينية تظاهرة مستنكِرة لمجزرة غزة ورافضة للتطبيع مع إسرائيل في بلدة المعامير، بمحافظة الوسطى. تظاهرة تُعدّ، إلى جانب فعاليات شعبية أخرى، استمراراً لردود فعل لا تفتأ تتصاعد على الموقف البحريني الرسمي مما يجري في الأراضي المحتلة. ورأى «ائتلاف شباب 14 فبراير» المعارِض، في بيان، أمس، أن مجزرة غزة ارتُكبت «بعد هرولة بعض حكام الخليج للتطبيع مع إسرائيل، وتوفير الغطاء لمزيدٍ من سفك الدماء، وإعلان المواقف المخزية من قِبل نظامي آل سعود وآل خليفة». وكانت جمعية «الوفاق» قد أكّدت، بدورها، في بيان، أن «تحركات نظام البحرين على طريق التطبيع هي تحركات مرفوضة لا تعني شعب البحرين، وتشكل جريمة بحق القدس وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية».
وأثارت استقالة السفير البريطاني السابق في البحرين، بيتر فورد، من «المؤسسة الخيرية الملكية» التي يرأسها نجل الملك، ناصر بن حمد آل خليفة، هي الأخرى، ردود فعل على الضفة المعارِضة. وعدَّ قياديون وناشطون في المعارضة الاستقالة، التي جاءت على خلفية تصريح لوزير خارجية البحرين رأى فيه أن «لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها»، «صفعة من العيار الثقيل» في وجه النظام البحريني. وكانت تغريدة خالد بن أحمد آل خليفة قد استدعت موجة ردود ساخطة شدّدت على أن آل خليفة لا يمثل الإرادة الشعبية في البحرين، مُتّهمة إياه بـ«خلع الحياء والتنطّع للتطبيع». وعلى الرغم من ذلك الغضب، إلا أن سلطات المنامة أصرت على موقفها. إذ لم تكد تمر ساعات على تغريدة وزير خارجيتها، حتى أدلى سفيرها في واشنطن، عبد الله بن راشد آل خليفة، بتصريح لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أعاد فيه ترداد مضمون تغريدة الوزير، قائلاً إنه «لم يعد من الممكن السماح للنظام الإيراني بمواصلة عمله المعتاد في محاولاته المستمرة لتقويض الهيكل الأمني للإقليم».