«نحن عالقون في منطقة لا يمكننا إصلاحها ولا نستطيع تركها»، يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الاميركية دايفد آرون ميلر عن الشرق الأوسط، وهذا ما كرره، وإن بصيَغ مختلفة، معظم المحللين الأميركيين في قراءتهم لأوضاع سوريا والعراق في ظلّ تزايد دور «القاعدة» ومجموعات جهادية جديدة.
في الأسابيع الأخيرة، عاد شبح العراق المخيف ليخيّم على العناوين الأميركية ومن الباب الأخطر: تنظيم «القاعدة». «هذا هو ثمن انسحاب قواتنا من العراق» قال البعض، فيما رأى آخرون أن الحرب في سوريا ووضع العراق الهشّ أصلاً تسبّبا في اندلاع حرب جديدة في البلاد بقيادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» المرتبط بـ«القاعدة».
تكاد لا تخلو الافتتاحيات والمقالات التحليلية المتعلقة بمستجدّات العراق من عبارتين: «عدوى سوريا» و«دور المملكة السعودية». الوضع في سوريا «معدٍ»، وأول المصابين به، حسب المحللين الاميركيين: لبنان والعراق. باتريك كوكبورن يشرح على موقع «ديموكراسي ناو» أنّ «السعودية تلعب دوراً محورياً في خلق المجموعات الجهادية المرتبطة بها مباشرة في سوريا وفي شمال العراق». ويضيف أن «تلك المجموعات المتطرفة تختلف عن القاعدة فقط لناحية أن الأخيرة مستقلّة عن السعودية، فيما هذه المجموعات مرتبطة مباشرة بالمملكة، علماً أنها تماثل القاعدة في التطرف ورفض الآخر، وتعتمد أساليب القتال نفسه على أساس طائفي ومذهبي». الكلام عن «تمويل السعودية لمجموعات جهادية» تقاتل في سوريا والعراق يصفه بعض المعلّقين بـ«الخطير جداً في ظل دعم إيران لمجموعات شيعية مسلّحة في المقابل». والأخطر، كما يشير المحللون، اعتماد كل منهما على حروب بالوكالة لتصفية حساباتهما ومحاولة حجز مكان ما في شرق أوسط جديد ذي تركيبة جغرافية ــــ سياسية وديموغرافية جديدة.
«العراق دولة منهكة جداً، ولم تأت أي من مشاكلها من فراغ»، يرى مايكل نايتس من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، ويذكّر بـ«موجة المواجهات الطائفية والعرقية الدامية الأخيرة حيث ضربت تفجيرات منسقة المناطق الشيعية في بغداد وشمال العراق، وتلتها موجة اشتباكات بين الجيش العراقي والمتمردين السنّة». وإضافة إلى «العامل السوري» الذي ظهر في معظم التحليلات، عدّد نايتس بعض «المؤشرات السلبية» التي تدفع الى القلق في شأن وضع العراق برمّته، ومنها أن «الميليشيات المدنية المسلحة بدأت تستعيد نشاطها، والتفجيرات الانتقامية تستهدف المساجد السنية والشيعية، وبعض القوات العسكرية العراقية بدأت تنهار وتنقسم إلى عناصر عرقية وطائفية...». وينقل الكاتب عن السفير الأميركي السابق لدى العراق رايان كروكر أن الفترة الحالية تعتبر بمثابة «عودة إلى ظروف عامي 2006 و 2007، عندما انغمس العراق في أعمال عنف مشابهة لحرب أهلية». وترتكب الحكومة العراقية في العديد من الأماكن، حسب نايتس، الأخطاء نفسها التي وقعت فيها الولايات المتحدة عند بدء الغزو: «فهي تعزل السنة وتحتلّ مجتمعاتهم مع تبنّي نهج عسكري قاس لا يميّز بين المحاربين المتطرفين وجمهور المدنيين المسالمين». وعن التصعيد في العراق قبيل الانتخابات، يقول الكاتب إن «الانتخابات الوطنية عام 2014 هي فرصة لإعادة بناء العراق على أسس وطنية. لكن استبدال المالكي لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً نحو استراتيجية جديدة لإنقاذ العراق». فمن الممكن جداً، حسب نايتس، أن يفوز رئيس الوزراء الحالي مجدداً «لكن يبقى الأمر الأساسي هو ضمان ضغط من المجتمع الدولي والفصائل العراقية على أي شخص سيتسلّم السلطة بهدف بناء وطن يتمتع بحرية واستقرار أكبر».
تحليل نايتس لاقى صدى في مقال «ذي وول ستريت جورنال» الذي تقول إن «القاعدة عادت الى العراق بسبب الحكم الطائفي المتسلّط للمالكي وصعود دور الجهاديين في سوريا». وهنا، تضيف الصحيفة سبباً آخر وهو «عدم قيام واشنطن بدعم المعارضة السورية المعتدلة ما أدى الى فتح المجال أمام المتطرفين الجهاديين السنّة الذين أتوا من أوروبا ومن الولايات المتحدة أيضاً». مقال «وول ستريت» كما مقالات اخرى عدة في الصحف اليمينية والمحافظة أشارت الى «فشل سياسة باراك أوباما التي اعتمدت على النيّة الحسنة تجاه الآخر والانسحاب من ميادين القتال، وهذا ما يظهر جليّاً في سوريا ولبنان والعراق».
وفيما تحدّثت «ذي نيويورك تايمز»، وغيرها من الصحف، عن الأسلحة النوعية التي أرسلتها واشنطن الى المالكي لمساعدته في حربه ضد «القاعدة» (مثل صواريخ «هيلفاير») وعن وصول دفعة من الطائرات من دون طيّار في شهر آذار المقبل، كشفت مجلة «فورين بوليسي» أن واشنطن لن تزوّد الجيش العراقي بـ «الأسلحة اللازمة للقضاء على مقاتلي القاعدة لا سيما طائرات الأباتشي ومقاتلات إف 16س». لماذا؟ تقول «فورين بوليسي» إن في ذلك «مخاطرة كبيرة لا يريد أن يتخذها البعض بسبب عدم وثوقهم بالمالكي»، فيما رأت بعض المصادر في الكونغرس أن واشنطن «ترتكب خطأ في عدم إرسال المقاتلات الى الجيش العراقي كونها الوسيلة الأنجع لمحاربة القاعدة».
(الأخبار)