غزة | خمسة عشر عاماً هي عمر وصال الشيخ خليل، الفتاة الفلسطينية التي غبّرت أقدامها الصغيرة منذ اللحظةِ الأولى لانطلاق «مسيرات العودة» إلى الحدود مع فلسطين المحتلة. بدأت زحوف الناس تتقدّم صوب «السلك الفاصل»، وبدأ الشبان إشعال الإطارات لحجب الرؤية عن قناصة الاحتلال المتمركزين على سفوحٍ رملية قرب الحدود. علا لهيبُ المواجهات في سماءِ غزة، فتقدّمت وصال لترفع العلم الفلسطيني على السلك الفاصل، وكانت برفقة والدها الذي تركها لإسعافِ مصابٍ، لكنها في هذه اللحظة أُصيبتْ برصاصةٍ من قناص إسرائيلي في قدمها. مع ذلك، بقيت تسير إلى فلسطين حتى باغتتها رصاصة أخرى في الرأس. هكذا، رحلت الفتاةُ الجميلةُ التي كانت تحلمُ بأن ترى فلسطين لكنّ مصيرها مثل عشرات الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم.
أول فتاة تستشهد في «مسيرات العودة» (الأناضول)

سمعتْ أمّها، ريم أبو عرمانة، خبراً عن إصابة ابنتها، فجاءت إلى مستشفى «شهداء الأقصى» في مدينة دير البلح (وسط القطاع)، وبدأت تسأل بلهفةٍ عن مصابةٍ اسمها وصال، لكنّ الإجابة كانت الصّمت بسبب الارتباكِ نتيجة الأحداث. خلال بحثها، سمعت من بعيدٍ أن هناك «شهيدة مجهولة في الثلاجات». تقدّمت الأم وبدأ قلبها يخفق شيئاً فشيئاً، لتفتح أبواب الثلاجة وتجد ابنتها شهيدة. أمّا والدها الذي ضاع عنها في منتصفِ المواجهاتِ، فانقطع الاتصال به بعدما نفدت بطارية هاتفه المحمول، فعجز عن التواصل مع عائلته إلى أن وصل منهكاً إلى البيت غروب ذاك اليوم، ليُفاجأ بأن ابنته شهيدة وتمّ دفنها بعد طول غيابه. أصيب الأب بانهيارٍ عصبيٍ، واستطاع من حوله أن يقنعوه بالجلوس قرب قبر ابنته لكن من دون فتحه.
تقول الأم، التي تقطن في «مخيم المغازي» (وسط) وسط عائلة هُجّرت من قرية السوافير عام 1948، إنها حاولت مراراً منع ابنتها من التظاهر يوم الرابع عشر من أيار، لكن وصال غادرت البيت برفقة والدها وشقيقها محمّد ابن الاثني عشر ربيعاً. تضيف الوالدة: «لقد انتهت قبل أيامٍ من تقديم امتحاناتها في المرحلة الإعدادية، كانت تنتظر النتائج، لكنّها ارتقت شهيدة وحصلت على الشّهادةِ الكبرى في حياتها». ووصال هي الشّهيدة الأولى في المواجهات التي انطلقت في الثلاثين من آذار الماضي، مؤكدة بذلك حضور المرأة الفلسطينية في «مسيرات العودة»، علماً أن إصابات كثيرة وقعت في صفوف النساء المشاركات.