دمشق | تتزيّن صدور الكثير من السوريات بالذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة، على الرغم من وجود أعداد هائلة من المواطنين تحت خط الفقر، مع طول سنوات الحرب. ألوان كثيرة، وأنواع عديدة من المصاغات يمكن تتبعها، من خلال مراقبة مظاهر الترف التي تسيطر على مساءات دمشق، في مطاعمها ذات الخمس نجوم وفواتيرها التي تتجاوز عشرات الألوف. تصميمات لافتة، بعضها لمصممين سوريين محليين، وأُخرى مشغولة في بيروت أو دبي أو أوروبا، تشرح بأبسط طريقة حقيقة أن الحرب لم تمرّ على شريحة من السوريين. وعليه، فإن ما تراه العين في السهرات الشامية لا يمثل، وعلى طغيانه ظاهرياً، أوضاع أسواق الذهب في كل المدن السورية. الكثير من الصائغين عموماً، والحلبيين خصوصاً خسروا مهنتهم، بعد احترافها أباً عن جد. ولا ينسى السوريون عندما كانت صناعة المصاغات الذهبية (عيار 21) تزدهر في مدينة حلب، متفوّقة حتى على ورش العاصمة، وتنافس الدول المجاورة. فيما تستقطب، اليوم، تركيا في المقام الأول، أمهر صناعيي الذهب الحلبيين والتجار، إضافة إلى لبنان كخط هجرة مبدئي نحو أوروبا وغيرها لاحقاً. وليبقَ سوق بيع الذهب متركزاً في أسواق العاصمة التي يتجاوز حجم مبيعاتها 3 كلغ يومياً، موزعة على أكثر من 300 ورشة عاملة، و2100 منتسب إلى جمعية الصاغة. ويتقلص حجم المبيعات إلى نصف هذا المبلغ وما دونه في اللاذقية مثلاً، التي تصل أعداد محال بيع الذهب فيها إلى 150 محلاً، إضافة إلى وجود ورشات صناعية قليلة فيها. فيما يعتبر عدد من التجار أن إنتاج ذهب الادخار من ليرات وأونصات ذهبية توقف خلال الحرب، ولم يمثّل طيلة السنوات الماضية أكثر من 10% من حركة بيع الذهب شهرياً. في حين شهد السوق خلال الفترة الأخيرة حركة بيع المدخرات الذهبية، بعد انحسار الحرب عن مناطق عديدة، فاتجه السوريون إلى بيع ما خزّنوه من الذهب قبل سنوات الحرب السبع، الأمر الذي أدى إلى توجّه بعض الورش نحو إنتاج كميات من ذهب الادخار. واللافت أن الكثير من الآمال باتت مرتبطة بعودة الغوطة الشرقية، لاستعادة من بقي من حرفييها العاملين في هذه الصناعة، بوصفها خزان دمشق البشري الذي لطالما مدّ العاصمة بأجود المنتجات الزراعية والصناعية.
«زينة وخزينة»
يبقى إنتاج الذهب في سوريا أقل بكثير مما كان عليه قبل الحرب. وعلى الرغم من تقييم صنّاعه بأنه ما زال ينافس عالمياً، غير أن دقة صناعته تأثّرت بشكل يمكن أن يلحظه من اعتاد على شرائه قبل الحرب. يعتبر عبد الله، الصناعي السابق، أن الدخل اليومي لزملائه في المهنة ما عاد لائقاً. الرجل الحلبي الذي مضى من حلب إلى اللاذقية ليعمل سائقاً، بعدما ولّت «أيام اللولو» في حلب، كان يعمل في صياغة الذهب والألماس. يقول الرجل بحسرة: «كنا نُخرج من الورشة (طبخة) أو اثنتين يومياً. أسأل اليوم زملاء قدامى لي يجيبون أن طبخة كل أسبوع أو 10 أيام هي كل ما يستهلك للبيع». يقارن الرجل بين سوريا ولبنان من حيث صياغة الذهب، بوصفه بلداً مجاوراً، فيقول: «لا دقة أهم في الصياغة. إنما يتميز عنّا لبنان بدقة صنع المصاغات الخفيفة، وهو أمر لم يهتم به السوريون على امتداد تاريخهم، فاتجهوا أكثر إلى اقتناء القطع الذهبية الوازنة». ويلفت الرجل إلى أن كثيرين من الصنّاع في الورش اللبنانية هم سوريون، وحلبيون تحديداً. ومن جهة أُخرى فقد أثّر السماح للتجار العرب والأجانب، باستيراد الذهب السوري المشغول مقابل إدخال ذهب خام، إيجاباً على حركة السوق، إذ يتم إدخال 100 دولار على كل كيلو من الذهب الخام، وخاصة للتجار الإيرانيين والعراقيين. ليصدر لاحقاً إلى العراق حيث يزداد الطلب عليه، إضافة إلى تصديره إلى الإمارات أيضاً. وكان من شأن هذا القرار أن يحدّ من ظاهرة تهريب الذهب، من خلال شرائه عبر تجار لبنانيين بغالبيتهم، وذلك بشكل نظامي، ثم تهريبه إلى لبنان ليتم نقله إلى دبي لاحقاً. ترى مصممة المجوهرات السورية سرا الزعبي، أن أزمة العمالة هي أبرز ما يواجه سوق صناعة الذهب السورية، لافتةً إلى أن معظم الحرفيين الذين تتعامل معهم في تنفيذ تصميماتها سوريون.
تعدّ أزمة العمالة أبرز ما تواجه سوق صناعة الذهب

وبحسب الزعبي، التي تقيم معارض المجوهرات بين دمشق وبيروت ودبي والمغرب، فإن الصناعة اليدوية يتفوق بها السوريون عن سواهم، غير أن الصناعة باستخدام الليزر ما زالت متواضعة في سوريا، فيما تزدهر في دبي والشرق الأقصى. لم يتأثر عمل المصممة السورية بفعل الحرب، إذ تعتبر أن الذهب «زينة وخزينة»، حيث يمكن أن يلجأ الناس لادخار الذهب في الحرب، في تناقض واضح يصيب الشعوب خلال الحروب. بينما قد يرتب الناس أولوياتهم، فتنخفض اهتماماتهم بالرسم والتصاميم الجميلة، بحسب الزعبي التي تتوجه إلى زبائن محددين يهتمون بالمصاغات كفنّ بالدرجة الأولى. وتشير المصممة، التي دخلت مصاغاتها المنافسة في أسواق دبي، إلى أن جميع عمال الورش التي تشغلها في بيروت تضم حرفيين حلبيين، مطالبة بضرورة مراعاة العاملين في هذا المجال في سوريا، وتقديم التسهيلات لعودة اليد العاملة. وهي المتفائلة بقرب فرض وضع جديد، إثر المستجدات الأخيرة في ريف دمشق، يتمثل بسهولة التنقل بين المناطق واستقطاب حرفيين حرمتهم الحرب من مزاولة مهنتهم، تجد في تأهيل المرأة لهذه المهنة ضرورة لعدم اندثارها وملء الفراغ الذي خلقه نقص عدد الحرفيين الذكور.
وفي ما يخص استعادة استقطاب أسواق الذهب للمواطنين والحرفيين على السواء، مع انحسار غيمة الحرب قليلاً عن العاصمة السورية، انخفض سعر الذهب خلال الفترات الماضية ليصل سعر الغرام الواحد عيار 21 إلى ما يزيد على ١٦ ألف ليرة، أي ما يعادل ٣٦ دولاراً، في مقابل انخفاض سعر الغرام عيار 18 ليتجاوز ٣١ دولاراً، ما يعادل ١٣٧٠٠ ليرة. أما سعر صياغة الغرام الواحد الذي يتعامل على أساسه تجار السوق، فيتراوح ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف ليرة، وهو ليس رقماً صغيراً في أسواق الذهب السورية. كذلك جرى تمديد العمل باتفاق رسم الإنفاق الاستهلاكي خلال النصف الأول من 2018 على ذات المبلغ المتفق عليه العام الماضي، دون أي زيادة، والذي يبلغ 125 ليرة شهرياً، يتم تحصيلها من جمعيات الذهب السورية الثلاث في دمشق وحلب وحماه، وذلك بالاتفاق بين جمعية الصاغة ووزارة المالية. وتعتمد في سوريا إجراءات عدة للمراقبة والحد من سرقة الذهب، عبر طلب فاتورة الشراء عند بيع أي قطعة ذهبية. وهُنا يترتب على كل صاحب متجر لبيع الذهب عند شرائه مصاغاً من أي كان، تسجيله على دفتر خاص للمشتريات وتدوين اسم البائع ومعلومات بطاقته الشخصية مع مواصفات القطعة المباعة وتاريخ البيع وفاتورة البيع إن وُجدت. غير أن هذه الإجراءات مجتمعة لا تنفذ من قبل جميع التجار، إذ تعتمد أحياناً على تقديرهم الشخصي حيال القطعة المباعة.