الجزائر | تضغط دوائر فرنسية على الرئيس إيمانويل ماكرون، من أجل دفع السلطات الجزائرية لمراجعة موقفها من فئة «الحركى»، وهم الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962). ويعد هذا الموضوع من أكثر القضايا الشائكة التي لا تزال تُلغم ملف الذاكرة بين البلدين.في فرنسا، لدى «الحركى» (تسمية أطلقت عليهم خلال الثورة الجزائرية)، مطالب دائمة يرفعونها منذ عشرات السنوات، خصوصاً تلك المتعلقة بالسماح لهم بالعودة إلى الجزائر وزيارة مسقط رأسهم، وهو ما تتحفظ عليه السلطات الجزائرية، إذ يُعتبر هذا الملف من "التابوهات"، كون الجزائريين لا يزالون ينظرون إليهم على أنهم «خونة» اختاروا صف المستعمر.
في الأساس، يهتم نواب اليمين الفرنسي بقضية «الحركى»، ويرفعون صوتهم في كل مرة للمسؤولين، كما هو شأن النائب عن حزب «الجمهوريين» هنري تيسيي الذي وجه سؤالاً كتابياً إلى وزير خارجية بلاده، يطالبه فيه بتقديم توضيحات حول العراقيل التي يتعرض لها «الحركى» وعائلاتهم في التنقل بين فرنسا والجزائر. وطالب النائب بمعرفة مدى تقدّم المفاوضات مع الطرف الجزائري لتعديل اتفاقية التنقل بين البلدين الصادرة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 1968، حتى تشمل حرية تنقّل «الحركى» إلى الجزائر. وفي ردّه المكتوب، ذكر وزير الخارجية الفرنسي جون ايف لودريان، أن حكومة بلاده كانت تعمل منذ زمن طويل على مسألة عودة «الحركى» إلى أرضهم الأم. وأبرز أن الحكومة الفرنسية تجري مع السلطات الجزائرية حواراً منتظماً في هذا الشأن.
ووفق لودريان، فإن الرئيس الفرنسي، خلال زيارته الأخيرة للجزائر العاصمة، كان واضحاً جداً وعبّر عن أمله في العمل مع الجزائريين على «مصالحة» ذاكرتي البلدين، كما أعلن عن إجراءات تلزم الجانب الفرنسي في هذا الشأن، وقال إنّه ينتظر رداً مماثلاً من السلطات الجزائرية التي دعاها إلى القيام بخطوة اتجاه أولئك الذين ولدوا في الجزائر والذين يريدون العودة إليها.
وشدد لودريان على أن فرنسا ستواصل العمل من أجل عودة «الحركى» و«الأقدام السوداء» (الفرنسيون الذين ولدوا في الجزائر ورحلوا مع استقلالها) إلى بلدهم الأصلي، وذلك وفق ما تعهد به ماكرون.
اللافت أن الرئيس الفرنسي، خلال زيارته الجزائر، قد ألّح في تصريحاته على ضرورة أن يسمح لـ«الحركى» بالعودة إلى الجزائر، من دون أن يوضح ما يقصده بالضبط بكلمة «العودة»، إن كانت تعني مجرد الزيارة أو السماح باستقرارهم في الجزائر لمن يرغب في ذلك. وجاءت دعوة الرئيس الفرنسي العلنية للسلطات الجزائرية، مقرونة بإعلانه عن اتخاذ قرار بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين.
والواضح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يريد التخلص من الآثار التي تسببت بها تصريحاته حين كان مرشحاً في سباق الرئاسيات، والتي جلبت عليه سخطاً واسعاً من فئة «الحركى» و«الأقدام السوداء»، حين قال إن النظام الاستعماري ارتكب جرائم ضد الإنسانية في الجزائر، وهو ما يتنافى تماماً مع نظرة هؤلاء الفرنسيين الذين يحنون إلى الفترة الاستعمارية، ويعتبرون أن الاستعمار قد عاد بجوانب إيجابية على الجزائر.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد «الحركى» وعائلاتهم الممنوعين من دخول الجزائر، إلا أن الآلاف منهم يشتكون رفض السلطات الجزائرية منحهم تأشيرة الدخول إلى أراضيها. ويتهمونها بوضع سجل يحوي أسماءهم وأسماء أبنائهم كأشخاص لا يرغب في دخولهم الجزائر. ويُسوق بعض المؤرخين الفرنسيين، لفرضية أن أغلب «الحركى» قد تمت تصفيتهم من قِبل جيش التحرير الوطني (تسمية الجيش الجزائري خلال الثورة)، في الفترة التي أعقبت وقف إطلاق النار بين جبهة التحرير الوطني والسلطات الفرنسية في 19 مارس 1962، لكن الباحث الفرنسي، بيار دوم، دحض هذه الرواية في كتابه «التابو الأخير» الصادر قبل سنتين.
ويذكر الكتاب أن «الحركى» في الجزائر كان عددهم 450 ألف شخص يتوزعون على 250 ألف احتياطي، 120 ألف مجند، 50 ألف مقاتل و30 ألفاً من الأعيان الموالين لفرنسا. ويشير دوم إلى أنه من بين 450 ألفاً، غادر 30 ألفاً على أقصى تقدير إلى فرنسا، ما يعني أن 420 ألفاً بقوا في الجزائر. أما الموتى فلا أحد يعرف عددهم، بحسب مؤلف الكتاب، لكن الأكيد أن الأرقام المقدمة من فرنسا حول إبادة 150 ألف «حركى» مبالغ فيها بشكل تام.