فتح البرلمان العراقي، أمس، فصلاً جديداً من فصول الجدل حول الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في الـ12 من الشهر الجاري، مُشرِّعاً الأبواب على تعديلات في نتائج عملية التصويت قد تفوق ما جرى الحديث عنه خلال الأيام القليلة الماضية. وفي ظلّ ردود الفعل المتضادة التي خلّفها قرار مجلس النواب إعادة فرز ما لا يقلّ عن 10 في المئة من صناديق الداخل، وتفاوت قراءة الخبراء القانونيين لهذا القرار، تظلّ إمكانية ترجمته مرهونة بموقف «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» التي حذرت مما سمّتها «محاولة للانقلاب على النتائج». لكن يبقى الثابت أن المزاعم في شأن حدوث تزوير وخروقات خلال الانتخابات دخلت دائرة أكثر جدية، وأن التسلح بها من قبل الضاغطين في اتجاه تعديل نتيجة التصويت أو إلغائها سيترك تأثيراته في مجمل المشهد السياسي، وفي صدارته الحراك الدائر في سبيل تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.وبعد فشله، الأسبوع الماضي، مرتين في عقد جلسة استثنائية لمناقشة الخروقات التي رافقت العملية الانتخابية واتخاذ قرار في شأنها، التأم البرلمان العراقي أمس بنصاب مكتمل بلغ 165 نائباً من أصل 328. واستُهلّت الجلسة، التي أُعلن في ختامها أنها ستبقى مفتوحة، بكلمة لرئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، الذي لم يسعفه الحظ في الانتخابات، تحدث فيها عن «تثبيت تجاوزات بالدليل القطعي»، معتبراً أن ذلك «يعرّض سمعة العملية السياسية لحرج كبير أمام المجتمع الدولي»، وداعياً الجميع إلى «تحمل المسؤولية القانونية بأتم صورة ووضع الأمور في نصابها». وفي أعقاب كلمات متتالية لعدد من النواب المشاركين في الجلسة، صوّت المجلس على قرار مقدم من اللجنة القانونية ينصّ على البنود التالية: إلغاء انتخابات الخارج التي تثبت فيها عمليات تزوير والتصويت المشروط في جميع المحافظات عدا نينوى، إلزام «مفوضية الانتخابات» بإجراء عدّ وفرز يدويين لما لا يقلّ عن 10 في المئة من صناديق الاقتراع على أن تتمّ هذه العملية في المحافظات كافة في حال بلغت نسبة التباين 25 في المئة، وكذلك القيام بعدّ وفرز يدويين في كركوك والمحطات التي أُلغيت نتائجها في المناطق المتنازع عليها. ودعا القرار الجهات المعنية إلى «إعادة الثقة للعملية الانتخابية بصورة عادلة ونزيهة»، مشدداً على ضرورة «إحالة من يثبت تورطه إلى القضاء تمهيداً لمحاسبته».
رأى خبراء قانونيون أن قرار البرلمان غير ملزم لـ«مفوضية الانتخابات»


هذه البنود اختلفت قراءة الخبراء القانونيين والسياسيين لها بين من عدّها «غير شرعية» كونها من خارج صلاحيات البرلمان، وبين من رآها مستوفية لشروط الإلزام التي تستوجب تطبيقها. ونبّه الخبير القانوني، طارق حرب، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن ما صدر عن البرلمان هو «قرار» وليس «قانوناً»، وهنا تكمن المشكلة برأيه، إذ إن مجلس النواب «لا يملك صلاحية إصدار قرار في موضوع خطير كهذا»، بل تقتصر صلاحيته في إصدار القرارات على «سحب الثقة، والاستجواب، والموافقة على تعيين موظفي الدرجات الخاصة»، وبالتالي «كان الأجدر بمجلس النواب إصدار قانون بدلاً من القرار» حتى يمكن إلزام «مفوضية الانتخابات» والجهات المعنية الأخرى به. لكن آخرين اعتبروا أن من حق البرلمان الطعن في نتائج الانتخابات؛ بالنظر إلى أن المفوضية إنما هي هيئة مستقلة مُشكَّلة من قبله وخاضعة له، وعليه فمن صلاحيته مراقبة أدائها وحملها على تنفيذ القرارات الصادرة عنه طالما أنها مستوفية لشرطَي النصاب والتصويت.
وكما على المستوى القانوني، كذلك على المستوى السياسي، حيث تفاوتت ردود الفعل على قرار البرلمان بين مُرحِّب به وساخط عليه. وسُجّلت أولى المواقف الرافضة على مقلب «كتلة الأحرار» المحسوبة على «التيار الصدري»، والتي اعترضت على لسان النائب فيها، رياض غالي، على عدد النواب الذين حضروا جلسة أمس، قائلة إنه دون النصاب (أقل من 140 نائباً). واعتبر غالي الجلسة محاولة لـ«الضغط على المفوضية لتصعيد بعض الشخصيات الخاسرة»، لافتاً إلى أنه «ليس هناك برلمان في العالم يقوم بإلغاء انتخابات، فهذا ضد الديموقراطية». ورأى رئيس «تحالف تمدن»، فائق الشيخ علي، بدوره، أن «إلغاء نتائج الانتخابات (كلياً أو جزئياً) من اختصاص القضاء العراقي وليس مجلس النواب»، مشيراً إلى أن «كل الخاسرين ممثلون في مفوضية الانتخابات، وبالتالي لا يحق لهم الطعن في النتائج».
هذا الجدل الذي فاقمه قرار مجلس النواب الأخير يوازيه إصرار لدى «مفوضية الانتخابات» على صوابية إجراءاتها وبعدها من أي اختلال. إصرارٌ جدّده أمس رئيس الدائرة الانتخابية في «المفوضية»، رياض البدران، بتحذيره في مقابلة تلفزيونية من «محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات»، منبهاً إلى أن تلك المحاولات «قد تؤدي إلى وقوع حرب أهلية في البلاد». وترافقت تصريحات البدران مع صدور بيان عن مدير العمليات في «المفوضية»، صفاء الجابري، رفض فيه حديث محافظ كركوك راكان الجبوري عن تلاعب بنتائج الانتخابات في محافظة كركوك، قائلاً إن «الجبوري صادق بخط يده على النتائج»، معتبراً أن «أي تصريح خاطئ قد يعرّض الأمن والاستقرار في كركوك للخطر». في خضم ذلك، لم يعد من المستبعد تدخل «المحكمة الاتحادية العليا» لحسم النزاع الدائر، والدفع في اتجاه تطبيق قرار البرلمان أو إلغائه. وأياً يكن ما سيؤول إليه القرار المذكور، فإن الثابت أنه سيؤدي إلى تمديد الفترة الفاصلة عن تشكيل الحكومة، والتي تنبئ المشاورات الجارية أصلاً باتسامها بالتعقيد والاستطالة.