غزة | لم تجد إسرائيل طريقاً للتخلص من الضغط الذي مثلته «مسيرات العودة»، والتكتيكات الشعبية المستعملة فيها مثل «الطائرات الورقية الحارقة»، سوى عسكرة المشهد عبر استهداف مواقع المقاومة، لكن لم يتأخر كثيراً الرد على اغتيال أربعة مقاومين من حركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس» تباعاً خلال اليومين الماضيين، إذ تُرجمت التهديدات بإمطار مستوطنات «غلاف غزة» فجر أمس بعشرات قذائف الهاون بداية، تبعتها رشقات من الصواريخ بعدما ردّ العدو بقصف مواقع تدريب، وهو ما أدى في المجمل إلى إصابة عدد من المستوطنين والجنود (6 إحداها خطرة) دون وقوع إصابات في الجانب الفلسطيني. ففي تمام السابعة صباحاً، بدأت المقاومة إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات والمواقع العسكرية المحيطة بالقطاع، ليصل عددها وفق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى نحو 130 قذيفة وصاروخاً تمكنت منظومة «القبة الحديدية» من اعتراض 17 منها فقط، فيما أدت الصواريخ التي سقطت إلى إحداث أضرار مادية.هذا الرد أقرب إلى تشبيهه بالحملة الصاروخية «كسر الصمت» التي نفذتها «الجهاد الإسلامي» صيف 2014، حينما أطلقت دفعة من الصواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية، لكن آنذاك أُفلِت زمام الأمور وتدحرجت إلى حرب امتدت إلى 51 يوماً. صحيح أن المشهد يتشابه لناحية المقدمات، لكن ليس بالضرورة أن ينتهي إلى الخواتيم نفسها، إلا إذا أراد الإسرائيليون استغلال المشهد وتوسيع المعركة، مع أن المؤشرات حتى ما بعد منتصف ليل أمس لا تقود إلى حرب، مع أنها في الوقت نفسه لا تدلّ على أن إسرائيل ستبتلع السكين. فبينما تقرر فتح الملاجئ في عدد من المدن واتخاذ تدابير احترازية شبيهة بوقت الحرب، واصلت المستويات الإسرائيلية تصعيد التهديدات والتلميح إلى ذهاب إلى مواجهة مفتوحة، رغم أن الساعات الأخيرة من يوم أمس حملت إشارات متتابعة من فصائل المقاومة إلى قبولها عرضاً مصرياً للتهدئة في وقت نقلت فيه وسائل إعلام عبرية عدة أنباء تشير إلى أن تل أبيب رفضت الهدنة.
يحاول نتنياهو إظهار نفسه رجلاً قوياً واستغلال الموقف ضد إيران


وكانت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس»، و«سرايا القدس» الجناح العسكرية لـ«الجهاد» قد أكدتا في بيان مشترك مساءً، مسؤوليتهما عن «قصف المواقع العسكرية والمغتصبات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة بعشرات القذائف الصاروخية على مدار اليوم»، قائلتين إن كل الخيارات مفتوحة لدى المقاومة، «فالقصف بالقصف والدم بالدم، وسنتمسك بهذه المعادلة مهما كلف ذلك من ثمن». البيان المشترك شدد على أن الاحتلال «هو من بدأ هذه الجولة من العدوان واستهداف مجاهدينا ومواقعنا العسكرية خلال الـ48 ساعةً الماضية، في محاولةٍ للهرب من دفع استحقاق جرائمه بحق المدنيين السلميين من أبناء شعبنا».
فور ردّ المقاومة، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد عقده جلسة مشاورات أمنية صباحية بـ«ردّ قاسٍ»، محملاً «حماس» و«الجهاد» المسؤولية الكاملة، ثم باشر العدو بعد وقت قصير قصف نحو أربعين هدفاً في قطاع غزة، قال إن من بينها «نفقاً هجومياً» في منطقة «كرم أبو سالم» يمتد داخل فلسطين المحتلة بمسافة 900 متر ويتفرع إلى مصر. وقال نتنياهو: «إسرائيل تنظر بخطورة إلى الهجمات»، متهماً «الجهاد الإسلامي» بـ«الموالاة لإيران»، وأن القذائف التي أطلقت إيرانية الصنع... «إيران تلعب مرة أخرى بحياة الفلسطينيين». خلال المساء، تواصل القصف من الجانبين، المقاومة والعدو، فيما عقد نتنياهو اجتماعاً آخر ضمّ وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ورئيس هيئة الأركان غادي أيزنكوت، ورئيس «الشاباك» وقادة الجيش، ليخرج في نهايته المتحدث باسم الجيش، معلناً أن التصعيد في غزة «لن يتوقف ما دام الإرهاب مستمراً»، فيما دعا مسؤولون آخرون إلى اغتيال قادة المقاومة.
رغم التصعيد المتبادل، لم تُبدِ الأطراف نية للذهاب إلى مواجهة واسعة حتى أمس، إذ بقي التصعيد الإسرائيلي مدروساً في ظل استهدافه مواقع المقاومة تحديداً ومناطق إطلاق الصواريخ، فيما ركزت المقاومة على ضرب مواقع عسكرية إسرائيلية. أما المقاومة، فتركز على منع الجيش الإسرائيلي من خرق المعادلة التي كانت تسري في غزة بعد الحرب الأخيرة عام 2014، وأيضاً منع تل أبيب من محاولة إلغاء مفاعيل «مسيرات العودة» والضغط على الحدود عبر قصف واغتيالات. هذا الوضع أتاح للمصريين مجدداً التدخل لتهدئة الأوضاع، إذ تلقت الفصائل اتصالات من «المخابرات العامة» المصرية تطالبها بوقف التصعيد، لكن مصادر أكدت لـ«الأخبار» أن المطلب الفلسطيني «كان يتمحور حول ضرورة أن تفهم إسرائيل رفض الفلسطينيين المعادلة التي يحاول الاحتلال فرضها»، وأن «أي قصف سيقابل بقصف، وأي اعتداء سيكون عليه رد عسكري، كذلك إن الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع غير قابل للاستمرار على ما هو عليه». لكنّ القاهرة حثت «حماس» و«الجهاد» على ضرورة العودة إلى تفاهمات 2014 وعدم الذهاب إلى حرب جديدة «قد تضيع الفرص السياسية»، تضيف المصادر.
ومن المقرر أن يناقش مجلس الأمن اليوم (الأربعاء) قضية التصعيد في غزة تحت مسمى «إطلاق الصواريخ» على المستوطنات دون إشارة إلى بحث القصف الإسرائيلي على القطاع، وذلك بطلب من مندوبة الولايات المتحدة في المجلس نيكي هيلي.
في شأن آخر، سيطرت بحرية العدو على «سفينة الحرية» التي خرجت من غزة أمس وهي في طريقها إلى جزيرة قبرص، وذلك على بعد 12 ميلاً بحرياً من ساحل القطاع، إذ حاصرتها الزوارق الحربية وسحبتها نحو ميناء أسدود في فلسطين المحتلة، معتقلة جميع من كانوا على متنها وعددهم 17 شخصاً من المرضى والمصابين، وكان لافتاً أن الاحتلال أعلن إفراجه في وقت متأخر أمس عن مجموعة من المعتقلين عبر حاجز «بيت حانون ــ إيريز».