منذ نحو سنتين والقوات السعودية والإماراتية والأميركية والقوى المحلية الملتحقة بها تتجهّز للسيطرة على مدينة الحديدة على الساحل الغربي لليمن. هدف يعتقد «التحالف» أن تحقيقه يمكن أن يحسم الحرب المتواصلة للعام الرابع على التوالي، لكونه يقطع شريان الحياة الرئيس للبلاد، ويسلب حكومة صنعاء أهم مورد من مواردها المالية، ويوفر في المقابل لـ«التحالف» ورقة ضغط إضافية بوجه «أنصار الله» في أي مفاوضات مقبلة. لكنّ الخبراء العسكريين يؤكدون أن فصلاً جديداً من حرب العصابات سيبدأ ضدّ القوات الغازية، لقرب الساحل من الجبال التي تُعَدّ حصناً طبيعياً يعطي أفضلية لقوات صنعاء في الدفاع من جهة، وشنّ عمليات استنزاف طويلة الأمد من جهة أخرى. الاندفاعة الأخيرة التي أعدّ لها «التحالف» ومن معه (قوات مشاة سودانية، ألوية العمالقة الستة التي تضمّ سلفيين من جنوب اليمن، وألوية الجمهورية التابعة لطارق صالح) منذ شهور، بإسناد جوي وبحري إماراتي - سعودي مكثّف، ومواكبة استخباراتية ولوجستية أميركية، استطاعت اختراق الخط الساحلي وصولاً إلى منطقة الجاح الأعلى والأسفل، التابعة لمديرية بيت الفقيه جنوب مدينة الحديدة، لكن قوتها البشرية وصلت منهكة بعد عمليات كرّ وفرّ قام بها الجيش واللجان الشعبية. سريعاً، تحوّل مقاتلو «أنصار الله» في جبهة الساحل الغربي من الدفاع التقليدي إلى حرب العصابات، مستخدمين تكتيكات تتلاءم وطبيعة الأرض المفتوحة والتفوق الجوي والبحري للعدو. وبدلاً من الحشود الجبهوية على طول خط الدفاع، انتشرت القوى العسكرية التابعة لصنعاء على شكل وحدات قتالية صغيرة نسبياً مدعّمة بتسليح متناسب والمهمة الجديدة، تتبع أسلوب المباغتة في القتال ضد الأرتال العسكرية المتقدمة، التي اكتفت باستخدام الطريق الرئيس الساحلي بعد فشلها في توسيع انتشارها لتأمين جنبات خط التقدم بسبب تعرضها للعديد من الكمائن وعمليات الالتفاف والإطباق من قبل قوات الجيش واللجان، وكذلك فشلها في احتلال أيٍّ من المدن والقرى أو حتى الحواضر السكنية البسيطة.
الانتقال إلى حرب العصابات فرضته طبيعة الأرض الساحلية المنبسطة والمفتوحة من الجو والبحر، والتي تتلاءم مع التفوق الجوي والبحري للعدو الذي حوّل ميدان العمليات إلى أرض محروقة. أدركت قيادة «أنصار الله» أن المواجهة النظامية في ظروف كهذه غير متكافئة الفرص، فتفادت الالتحام، معتمِدةً مبدأ «الاقتصاد في القوى» على المستويين البشري والتسليحي للتقليل من الخسائر، ومُكثِّفةً العمليات النوعية ذات الأهداف الكبيرة في ما يسمى عسكرياً «الإطباق». وقد أدت الخطة في مرحلة التقدم الأولى للعدو إلى مقتل 120 عنصراً من قواته، وعلى رأسهم اثنان من قادة العمليات، وإصابة قائد لواء، بالإضافة إلى جرح مئات آخرين. نتيجة ليست متصلة بنمط واحد من التكتيكات العسكرية، بل باستراتيجية جديدة شاملة عمادها القتال الجبهوي حيث أمكن، والانتقال إلى حرب العصابات حيث تضعف فرص الدفاع، علماً بأن مقاتلي «أنصار الله» قادرون على التكيّف مع الحالتين.
ويمتد الساحل الغربي لليمن من منطقة ذو باب في محافظة تعز حيث باب المندب، مروراً بمحافظة الحديدة، وانتهاءً بمديرية ميدي في محافظة حجة الحدودية، في شريط يبلغ متوسط عرض مساحته المفتوحة 5 كيلومترات تقريباً، تبدأ بعدها وعلى طول الساحل الغربي السلاسل الجبلية التي أطلق عليها السيد عبد الملك الحوثي مصطلح «العمق الاستراتيجي»، وتقطنها الغالبية القصوى من الشعب اليمني، وتشكّل حصناً طبيعياً لم تجرؤ أعتى الجيوش في العالم عبر التاريخ على اقتحامه. وكنموذج من فاعلية تلك الحصون في مواجهة الغزاة، يمكن إيراد بعض الوقائع التي واجهتها القوات الموالية لـ«التحالف» عقب تحقيقها خروقات ضيقة ومحدودة، وهي وفق الآتي:
● الهجوم الشرس الذي شنّه الجيش واللجان، فجر الثلاثاء، على قوات «اللواءين الثالث والسادس عمالقة» بالقرب من معسكر خالد بن الوليد في مديرية الوازعية غرب تعز، والذي أدى إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح من قوات اللواءين المواليين للإمارات. وفي التفاصيل، أن قوات صنعاء نفّذت عملية التفاف عسكرية سريعة، تمكنت من خلالها من كشف ظهر القوات الموالية للإمارات شرق معسكر خالد، وذلك بعد يومين من إعادة قوات الجيش فتح جبهة الوازعية، والتقدم بالقرب من مفرق الوازعية، وقطع خط الإمداد عن العدو.
● تمكن قوات الجيش واللجان من اقتحام مقرّ «اللواء الثالث عمالقة» في أطراف مديرية التحيتا، واستعادتها معسكر العريضة.
● قطع خطوط الإمداد في مفرق الفازة، وتدمير الفرق الهندسية العسكرية في قوات صنعاء العديد من الآليات العسكرية والمدرعات التابعة للقوات الموالية للإمارات.