حوّلت صنعاء الهجوم الذي شنته قوات «التحالف» والقوى المحلية الملتحقة به، مسنودةً بالدعم الاستخباري والاستشاري واللوجستي الأميركي، على جبهة الساحل الغربي، من تهديد إلى فرصة. ولعلّ أبرز ما أسفر عنه هذا الهجوم هو سقوط العامل النفسي والمعنوي الذي كان سيفه مصلتاً على «أنصار الله» حول معركة الحديدة، بوصفها «أم المعارك»، و«معركة الفصل»، و«معركة قطع شريان الحياة عن صنعاء»، وغيرها الكثير من التوصيفات التي تصبّ جميعها في هدف واحد هو إرعاب صنعاء، وتأزيم حسابات قياداتها العسكرية والسياسية، ودفعها باتجاه تقديم تنازلات، سعى الخصم إلى أن تكون في الجذر، والاستراتيجيا، وأولاً وأخيراً في انتقاص السيادة الوطنية، ومصادرة قرار الدولة. وهذا ما عبّر عنه قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في خطابه في 21 أيار/ مايو الجاري، بقوله إن تطورات جبهة الساحل الغربي بمثابة تحول نفسي ومعنوي وعملياتي.بعد غزوة الساحل الغربي الفاشلة على صنعاء منتصف الأسبوع الماضي، ارتاحت صنعاء، ورفعت عن كاهلها ضغط العبء النفسي والمعنوي والاستنفار الميداني والبشري والقيادي، وانصرف المواطنون إلى أعمالهم الاعتيادية، مطمئنين إلى صلابة موقف الجيش واللجان الشعبية، وإلى حكمة قيادتهم في إفشال خطط الأعداء والتصرف وفق مقتضيات المعركة العسكرية والأمنية والسياسية ومتطلباتها. كذلك، تأكدت أهمية المتابعة الكبيرة والخاصة والدقيقة التي كان يخصصها رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق، الشهيد صالح الصماد، لمعركة الحديدة، وإسهاماته في وضع الخطط العسكرية وآلية تنفيذها. ذلك أن الرجل كان يدرك ما تعنيه الحديدة على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لذا انصرف إلى إيلائها الاهتمام الكبير، وإدراجها على رأس قائمة الأولويات، مع الحرص على حضوره الشخصي المتكرر إلى جبهة الساحل الغربي، حتى لو تطلب الأمر أن يسقط هو شهيداً. والجدير ذكره هنا أن مقتل الصماد أدى إلى تزخيم عملية الاستنهاض والتعبئة والهبة الشعبية والقبائلية، وتعزيز اللحمة الوطنية، وتقوية الاحتضان الجماهيري للجيش واللجان.
في النتائج الميدانية، استفادت «أنصار الله» من الاختراقات التي أحدثتها القوات الموالية لـ«التحالف» على جبهة الحديدة لتدفيعها أثماناً غالية، وإفهامها عقم خياراتها، وتيئيسها من جدوى تلك الخيارات. وقد أدت مسارعة «أنصار الله» إلى تطبيق خطط حرب العصابات إلى إرباك كبير في صفوف القوات المهاجِمة، وأيضاً إلى فشلها في تقدير الموقف، بعدما اعتقدت أنها بإحداثها بعض الخروقات تحقق نصراً حاسماً، فأوعزت إلى آلتها الإعلامية بالاحتفال بـ«النصر»، والترويج لـ«الفتوحات القادمة» باتجاه الشمال والعاصمة صنعاء، بالترافق مع حرب نفسية أصبحت مفضوحة وفاقدة للتأثير، ويمكن إسقاطها بقليل من الخبرة والجهد. لكن الحقيقة «المرة» بالنسبة إلى «التحالف» أن القوات المتقدمة على الخط الساحلي الرئيسي، والذي تمتد على جنبه صحراء رملية كبيرة لمئات الكيلومترات، عجزت عن إسقاط أي من المدن أو الحواضر. ويعود ذلك إلى نجاح «أنصار الله» في تطويع طبيعة الأرض بما يتناسب مع مهمة حرب العصابات، وقيامها بتوزيع مجموعات صغيرة نسبياً بين تعرجات الساحل وتشققاته والمنحدرات القليلة العمق الناتجة من السيول والعوامل الطبيعية فيه، وكذلك بالاستفادة من الأشجار المتفرقة في أكثر من مكان، الأمر الذي قلّل من أهمية تفوّق العدوان بالجو والبحر، ليبدو شكل التمدد الطويل والضيق للقوات الغازية أشبه ما يكون بأفعى عرضة للضرب في كل مكان (الرأس والوسط والذيل)، مثلما أظهرت مشاهد للإعلام الحربي اليمني بيّنت تحوّل القوات الغازية إلى شاخصات للرماية في ميدان التدريب، تتلقى الضربات من دون أن تستطيع الاحتماء أو حتى الفرار.
يحسن الجيش واللجان الشعبية استخدام كافة التكتيكات غير النظامية في المعركة الدائرة على طول جبهة الساحل الغربي (الاستنزاف، التطويق، الالتفاف، الإغارة على الأرتال في الوسط، إشغال المعتدين ومنعهم من التثبيت، حصر الهجوم في ما يسمى بالطريق الأسود، أي الرئيس، ومنعه من التمدد لحماية الجنبات). وكلها تكتيكات وأساليب معدة سلفاً، ويشرف عليها قادة متمرسون وشجعان. وقد سُجِّلت استفادة قوات صنعاء من تلك التكتيكات خلال الأيام والساعات الماضية وفق الآتي:
* تمكن وحدة متخصصة في الجيش واللجان، مسنودة بأبناء القبائل، من القضاء على كتيبة كاملة من اللواء السلفي الخامس يرأسها المدعو أبو هارون اليافعي، في منطقة الفازة، جنوبي مديرية التحيتا. وقد تم القضاء على الكتيبة المذكورة بعدما حاولت الخروج من الساحل باتجاه الشمال، لتقع في مكمن محكم للجيش واللجان أدى إلى مقتل وجرح 75 وأسر 16 آخرين وفرار البقية، وعلى رأسهم قائد الكتيبة.
* تنفيذ عملية نوعية على تجمع للغزاة في شمال منطقة الجاح، أدت إلى مقتل وإصابة 40، وأسر 15 آخرين، وتدمير ثلاث عربات مدرعة، واغتنام ستة أطقم عسكرية بما فيها من ذخائر.
* استعادة قرية الطائف والمناطق المجاورة لها جنوب الحديدة، عقب عملية نوعية «خلفت خسائر كبيرة في عديد الغزاة وعتادهم»، وفق ما أفادت به مصادر عسكرية من «أنصار الله».
هذه الخسائر تقع في معظمها في صفوف مقاتلين من جنوب اليمن، يتصدرون المعارك في جبهة الساحل الغربي، مثلما حصل في الهجوم الأخير في منطقة الفازة، حيث تمت إبادة كتيبة كاملة معظم مقاتليها من المحافظات الجنوبية. وهو ما أدى إلى تصاعد حالة الغضب الشعبي على «الزج بالشباب الجنوبي في محرقة الشمال» بتغطية من «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي دشّن، منذ مساء أمس، سلسلة أنشطة لتلميع صورة الإمارات. وقد تجلى ذلك الغضب في إطلاق نشطاء حملة شرسة ضد قيادة «الانتقالي» وأعضائه، المتهمين بالسكوت عن «المحرقة» مقابل ما بات يعرف بـ«الصرفيات المالية الشخصية» التي تتولّاها أبو ظبي.