أعلنت جمعية «الوفاق» البحرينية المعارِضة، أول من أمس، ما سمّته «إعلان البحرين» كمبادرة تستهدف كسر الجمود القائم، وتمهيد الأرضية للحلّ السياسي. المبادرة التي تضمنت مجموعة من المبادئ السياسية العامة المستقاة من المواثيق الأممية والتجارب الدولية الناجحة، لقيت صدى إيجابياً لدى العديد من القوى والشخصيات، بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» نائب الأمين العام لـ«الوفاق»، الشيخ حسين الديهي، إلا أن البناء على الإعلان لتقرير الخطوات المقبلة ينتظر بحسب الديهي اتساع دائرة التجاوب مع المبادرة، ونضوج فكرة الحل السياسي. في ما يلي نصّ الحوار مع الديهي
بعد مرور ما يزيد على سبع سنوات على اندلاع الانتفاضة الشعبية، كيف توصّفون المشهد السياسي العام؟
منذ عام 2011 خسرت البحرين، وتراجعت، وضعفت، وفقدت الكثير، والخاسر الأكبر هو النظام، وتحديداً العائلة الحاكمة. لم يعد هناك توافق على أهم مقومات الحياة ومنها الدستور، ولم يعد هناك عقد اجتماعي يمكن أن يعبّر عن الرضا أو القبول الشعبي، وانتهى زمن الدولة الجامعة، وعجز الحكم عن بناء الدولة القانونية، ولم يعد المواطن يثق بالنظام أو يؤمن به كحاضنة أو كدولة أو كمؤسسات أو كسلطات لها علاقة واقعية وقانونية بالمواطن.

ولكن ثمة دستور في البحرين؟
نعم، ولكنه كان محل خلاف منذ 2002 حتى 2011، وكانت القوى الوطنية تسميه دستوراً غير تعاقدي، بعدما تمت كتابته وتصديقه من قبل الملك من دون مشاركة شعبية مباشرة أو مؤسسية. أما بعد 2011، فقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً، ولم يعد الدستور قادراً على إدارة العلاقة بين الحاكم والشعب، وأصبح مطلب الدستور العقدي مطلب أغلبية شعب البحرين، بحثاً عن عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الحكم والشعب.

في ما يتصل بجمعية «الوفاق» تحديداً، وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام على اعتقال أمينها العام الشيخ علي سلمان، هل ما زالت الجمعية قادرة على ممارسة دورها كرأس حربة في الصفّ المعارض؟
«الوفاق» كوجود وكفكر ومشروع وطني وامتداد شعبي أصبحت أقوى مما كانت، لأن هذا الحضور والثقة والارتباط تَعزَّزت أكثر بممارسات السلطة وقمعها وإغلاقها لـ«الوفاق»، واعتقال الشيخ علي سلمان أعطاها قوة أكبر وحضوراً جماهيرياً في وجدان الناس، ولم يتمكن النظام حتى الآن من إقناع حتى نفسه بإغلاق «الوفاق»، لأن «الوفاق» بقيت تقوم بدورها السياسي والميداني والدبلوماسي، وهي مستمرة وتقدم ما يقنع العالم في مقابل عدم قدرة النظام على إقناع أحد بوضعه السياسي والقانوني.
ندعو العقلاء من العائلة المالكة وغيرها إلى قراءة الإعلان جيداً



أعلنت جمعية «الوفاق» ما سمّته «إعلان البحرين» كمبادرة هدفها كسر الجمود السياسي، كيف تلخصون فحوى هذا الإعلان؟
«إعلان البحرين» جاء من إيمان جازم بضرورة التحرك لإنقاذ البلد من التأزم الحاصل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... وهو ما تطلب منا التحرك الجاد والإيجابي. و«إعلان البحرين» هو مجموعة من القيم والمبادئ العليا والمصالح المشتركة التي هي خلاصة الفكر الإنساني في ما يتعلق ببناء الأنظمة السياسية المستقرة. وفي النهاية، كل ما تضمنه الإعلان هو في متناول السلطة وكل الفرقاء للخروج بما يحقق السلام والأمن والاستقرار والتنمية. نحن جادون في أن نأخذ البلد إلى مساحة التوافقات، وكل ذلك يتطلب وقفة جادة من النظام وكل داعميه لتجاوز الأزمات المتراكمة.

ما قيمة هذا الإعلان سياسياً وقانونياً؟
«إعلان البحرين» بمثابة البنية التحتية والقاعدة الأساسية التي يمكن البناء عليها، كونه يتضمن مجموعة المبادئ المنظمة والحاكمة لأي نظام سياسي مستقر، كالتعددية والشراكة السياسية وتقييد السلطة وحاكمية الشعب وغيرها من المحددات المعتمدة دولياً.

ما الذي يختلف به هذا الإعلان عن وثائق وأوراق سياسية سابقة تقدمتم بها كـ«وثيقة المنامة»؟ وهل ثمة تعارض أو تناقض بين الأمرين؟
«وثيقة المنامة» تتضمن مطالب المعارضة، وهي مطالب عادلة ومحقة وطبيعية، و«إعلان البحرين» لا يتحدث عن المطالب، ولا عن التفاصيل، بل الهدف منه التأسيس لمحددات ومبادئ عامة أساسية إنسانية للبناء عليها في أي حوار أو تصور. وليس هناك تعارض أو تناقض بقدر ما هناك مساحة لكل فكرة، ومساحة «إعلان البحرين» مهمة وضرورية كقاعدة يرتكز عليها المشروع السياسي.

«الوفاق» كفكر ومشروع وطني أصبحت أقوى ممّا كانت



ولكن الإعلان لا يتطرق إلى حيثيات المشكلة السياسية في البحرين وتفاصيلها؟
عندما قدمنا «وثيقة المنامة» التي احتوت على مشروعنا السياسي التفصيلي، تم تجاهلها باعتبارها حددت سقوفاً وملامح تفصيلية. و(من هنا) فإعلان البحرين هو محاولة للعودة إلى الأسس والمبادئ الأساسية الأصيلة، التي تشكل أساس بناء أي نظام ديمقراطي عادل ومتوازن، لننتقل بعد ذلك إلى الملامح والخطوات التفصيلية.

«وثيقة المنامة» حظيت بإجماع لدى القوى المعارِضة، هل تتوقعون أن يلقى «إعلان البحرين» ردّ الفعل نفسه؟
«إعلان البحرين» يحظى بإجماع القوى الوطنية وتأييدها، وهذا الإعلان لا يُختلف عليه كونه يضع أسساً عامة وواسعة تستوعب أي مشروع سياسي متطور ومنفتح، ولقد تبلغنا بعض ردود الأفعال الإيجابية والمؤيدة من قوى وشخصيات. ولكن نظراً إلى الظروف السياسية والأمنية، وإغلاق المؤسسات السياسية، وملاحقة النشطاء، ومحاكمة القيادات السياسية والحقوقية في الداخل، وحفاظاً على سلامة الجميع، لم نشمل أي جهة في التوقيع على الإعلان، ولكن أؤكد لك أن الإعلان يحظى بقبول وطني وسياسي وشعبي، والإجماع هذه المرة أوسع، لكون مبادئ الإعلان بديهية وتتوافق مع الفطرة قبل الموقف السياسي.


هل نفهم منكم أنكم تلقيتم رسائل قبول بشأن «إعلان البحرين»؟
بالتأكيد، الإعلان عُرض على أكثر من جهة خلال إنتاجه، ومنها جهات قانونية وسياسية وبرلمانية في مناطق ومواقع مختلفة، سواء على مستوى أوروبا، أو عالمنا العربي، أو على مستوى الداخل البحريني. والإعلان حظي بتقدير واسع أكثر مما كنا نتوقع، وبعد صدوره بساعات تلقينا إشادة من أطراف وازنة في الداخل والخارج، ونحن مستمرون في التواصل مع كل الأطراف لإيصال هذا الإعلان، والدعوة إلى أن يكون أرضية مشتركة للحل السياسي في البحرين.

لم يعد هناك توافق على أهم مقومات الحياة ومنها الدستور



تحدثتم عن أن الأوضاع تتطلب «وقفة جادة» من قبل النظام، ما الذي تتوقعونه من السلطات والعائلة الحاكمة بعد «إعلان البحرين»؟
لم نأتِ بـ«إعلان البحرين» للمناكفة أو المغالبة، وهذا الإعلان نريد من خلاله أن نقدم أرضية مشتركة للحل من أجل أن ننقذ واقع البلد، ونحميه من الانهيارات والضعف وغياب البرنامج، ونسعى من خلاله إلى بناء حالة توافق وطني مبني على أسس دولية أممية قوية، مستقاة من تجارب رائدة ومهمة وناجحة. وفي ظل الفهم السائد، يمكننا القول إننا لا نتوقع من العائلة شيئاً، لكننا ندعو العقلاء والحريصين على البلد في العائلة وغير العائلة من الداعمين لفكرة استمرار الأزمات سواء في البحرين أو في الخليج أو في العالم، ندعوهم إلى قراءة الإعلان جيداً، وأن نضع كل ما لدينا على الطاولة من أجل الخروج بحلول سياسية تحصّن الجبهة الداخلية، وتعيد للبحرين قوتها كدولة يحكمها التوافق والشراكة السياسية بدلاً من واقع الاستفراد المدمر.

بعد «إعلان البحرين»، هل نتوقع منكم خطوات أخرى؟ وما هي طبيعة هذه الخطوات في حال وجدت؟
نعم، لدينا خطوات في مساحات أخرى لاستكمال الحاجة السياسية والإنسانية... ولكن نتركها إلى حين نضوج فكرة الحل السياسي، وبروز تجاوب مع إعلان البحرين حتى لا نستبق الأمور. وهذه الخطوات، بالمناسبة، تتضمن تفاصيل تعالج جوانب أساسية من الأزمة في البحرين، ولكل حادث حديث.

ما هي توقعاتكم للمرحلة المقبلة؟
أعتقد أن الأمور ستبقى تراوح مكانها في حالة جذوة وعلى صفيح ساخن حتى تتحقق المطالب، ولا أجد أي مؤشر خلاف ذلك، وما يمنع الناس اليوم (من الحضور في الساحات) هو القمع والبطش والقهر والاضطهاد، وكل ذلك حلول مؤقتة تسقط وتنتهي أمام إرادة الناس. وثقافة البحرينيين هي الإصرار على أن لا رجعة إلى الوراء، والتمسك بحلول سياسية تضمن عدم العودة إلى زمن الرق والعبودية والإفقار والتجويع والتجهيل.



لا رؤية لإنقاذ الوضع الاقتصادي
يصف نائب الأمين العام لجمعية «الوفاق» الوضع الاقتصادي والمالي في البحرين بـ«المتدهور»، لافتاً إلى أنه «ليست هناك رؤية لإنقاذه، وليس هناك رأي لأحد في القرار الاقتصادي، وليست لأحد القدرة على الاطلاع على تفاصيل الوضع المالي وتوزيع الثروة»، مضيفاً أن «الاستبداد في البحرين هو الذي يحكم الوضع الاقتصادي، والنظام يصمّ آذانه عن الاستماع إلى أي رأي في هذا الشأن وفي أي شأن آخر». ويُذكّر الشيخ حسين الديهي بأنه «في عام 2002 كان هناك فائض في ميزانية البحرين، وبعد عام 2002 بدأنا ندخل مرحلة الدين العام إلى أن وصل الدين مع نهاية العام الماضي إلى 10.6 مليارات دينار، أي ما يعادل 40 مليار دولار»، مشيراً إلى أن «هناك توقعات بارتفاع حجم الدين العام إلى 13 مليار دينار، أي ما يقارب 50 مليار دولار»، متابعاً أن «الفوائد السنوية المترتبة على الدين العام أصبحت أكثر من نصف مليار سنوياً». ويزيد أن «هناك انخفاضاً هائلاً في ميزانية المشاريع في آخر ميزانية، وهناك فساد مستشرٍ وسرقات مفتوحة في المال العام والأراضي العامة والممتلكات الحكومية، وكل ذلك وأكثر نتيجة الاستبداد وتغييب قرار الشعب ورفض الشراكة السياسية».
(الأخبار)