بغداد | في وقت يتصاعد الجدل وتبادل الاتهامات في شأن تزوير الانتخابات، التي باتت شرعيتها مهددة بعد قرارات مجلس النواب، والتهديدات المستمرة بسحب يد المفوضية وإحالتها إلى القضاء، وجد العراق نفسه فجأة وسط أزمة لا تقلّ خطورة عن الأولى، وهي أزمة المياه والأخطار المحدقة بنهرَي دجلة والفرات وإمكانية جفافهما. وفقاً لمصادر متطابقة، فإن تركيا بدأت مطلع الشهر الجاري بملء «سدّ إليسو» الذي عملت على إنشائه منذ عام 2006، ما أدى إلى انخفاض كبير في مناسيب نهر دجلة الذي ينبع من تركيا، بعد مفاوضات مع الجانب التركي وافق خلالها الأخير على إرجاء ملء السد إلى حزيران/ يونيو الجاري بعدما كان مقرراً في آذار/ مارس الماضي.وبحسب نائب رئيس لجنة المياه والزراعة في البرلمان العراقي، منصور البعيجي، فقد «أبلغت الحكومة التركية نظيرتها العراقية منذ ما يقارب خمسة أعوام بتشييد سد إليسو، داعية إياها إلى اتخاذ تدابير من قبيل بناء سدود لخزن المياه تحسباً لهذا اليوم»، ولكن «الحكومة ووزارة المالية أهدرتا المليارات، ولم تقوما بخطوة واحدة اتجاه كارثة حقيقية كهذه نمرّ بها اليوم». ودعا البعيجي، الذي ينتمي لـ«ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء إلى «أن يصحب وفداً يضم كلاً من وزير الموارد المائية، وزير الخارجية، ووزير التجارة، والتوجه إلى تركيا فوراً لإيجاد حل لهذه الكارثة، لأنها إذا استمرت لا يبقى شيء حياً في العراق».
أكد «العمال الكرستاني» أن جميع الخيارات مطروحة في وجه تركيا


حتى الآن، تؤكد جميع المواقف الرسمية أن الأزمة مُسيطَر عليها، وأن مياه الشرب مؤمنة لمدة عام، وأن الخزين الاستراتيجي المائي للعراق جيد على رغم انخفاضه في شكل كبير. وطبقاً لتصريح وزير الموارد المائية، حسن الجنابي، فإن الخزين المائي يكفي لتأمين مياه الشرب، و50 في المئة من مياه الحصص الزراعية لمدة عام كامل، إلا أن الشتاء المقبل ربما يشهد شحاً في المياه. وأشار الجنابي إلى أن «هناك تفاهمات مع الجانب التركي في شأن إطلاق الحصص المائية الإضافية... لكن لا يمكن فرض أي شيء بالقوة على أي دولة». من جهته، أعلن معاون مدير مركز إدارة الموارد المائية في وزارة الموارد المائية، علي المعموري، أن الخزين المائي للعراق انخفض من 27 إلى 17 مليار ليتر مكعب. ولفت المعموري إلى أن «الخزين المائي أمّن مياه الشرب والاستخدام المنزلي في شكل كامل، فضلاً عن توفير السقي لـ600 ألف دونم من المحاصيل ومليون دونم من البساتين»، مؤكداً أن «الأزمة ستنتهي بمجرد امتلاء السد، الذي سيستغرق ما بين سنة وسنة ونصف، وكلما تزايدت كميات الأمطار في تركيا قلت المدة».
وفيما برزت أصوات حمّلت تركيا مسؤولية الأزمة الحالية، داعية إلى مقاطعة المنتجات والبضائع التركية، ألقت أصوات أخرى باللوم على الحكومات العراقية وضعف إجراءاتها، معتبرة أن خيارات العراق ضعيفة في مواجهة تركيا. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي أمهل الحكومة أياماً عدة لحل أزمة الماء والكهرباء، متعهداً بـ«التدخل» في حال لم يتمّ ذلك. وقال القيادي في حزب «الدعوة»، سليم الحسني، إن لديه معلومات تفيد بأن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيعمد إلى استقبال الصدر في غضون أيام، لتعلن الحكومة التركية بعد اللقاء استجابتها لمطالب الصدر بحل أزمة المياه، وإطلاق مياه نهر دجلة. وأضاف الحسني أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، على علم بهذا الترتيب، وسكوته حتى الآن هو لغرض التمهيد لهذه الخطوة، من أجل «تحويل السيد مقتدى الصدر إلى زعيم للعراق، مقابل أن يدعمه في ولاية ثانية». لكن مصدراً حكومياً مطلعاً أبلغ «الأخبار»، بأن بغداد تلقّت عبر السفارة التركية في العراق تطمينات دبلوماسية من الجانب التركي في شأن «تعاون أنقرة التام لحل الأزمة بالتفاهم»، مؤكداً أن الحكومة ستسمي وفداً رفيع المستوى لزيارة تركيا لمناقشة شحّ المياه.
وفي ردود الفعل أيضاً، برز موقف لـ«حزب العمال الكردستاني» حذّر فيه من أن «جميع الخيارات، بما فيها الخيار العسكري، ستكون مطروحة للرد على ما تقوم به تركيا من ضرر جراء بناء السدود وخزن المياه»، مستدركاً بأن «الخيار العسكري متروك للقيادات العليا». ونقلت وسائل إعلام محلية عن القيادي في الحزب، كاوة شيخ موس، قوله إن «السدود من قبل النظام التركي تتسبب بجفاف وقلة الموارد المائية لدول الجوار، خصوصاً بناء سد إليسو وما سيتسبب به من أذى للعراق في شكل خاص»، مضيفاً أن «حزب العمال على استعداد للتعاون مع دول المنطقة، وبخاصة العراق، في حال لحق بها أي أذى من الحكومة التركية».