إلى جانب أهمية «خريطة منبج» في تثبيت نفوذ كلا الاحتلالين، الأميركي والتركي، داخل الأراضي السورية، فإنها تمهّد الطريق إلى توافقات لاحقة يمكن استثمارها في الضغط على دمشق وحلفائها والتأثير بمسار «التسوية». التعويل على دور هذا الاتفاق في ترميم العلاقات بين واشنطن وأنقرة، كان واضحاً في حديث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي قال أمس إن «خطوتنا (في منبج) مهمة لمستقبل سوريا، وهي فرصة لإعادة علاقاتنا المتدهورة مع الولايات المتحدة إلى مسارها. لذا، يجب تنفيذ الخريطة بالكامل». النقطة الأخيرة في الحديث، توضح أن تطور التعاون بين الطرفين، هو رهن التزام الولايات المتحدة الوعود التي قطعتها بشأن الدعم المقدم إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية. ويظهر أن أول اختبار جديّ لهذه النقطة ــ ضمن سياق «خريطة منبج» ــ سيكون تسليم «الوحدات» خلال انسحابها من منبج، الأسلحة التي سبق أن وفّرتها القوات الأميركية. غير أن بيان «الوحدات» الذي صدر أمس، يشير إلى بدء انسحاب «مستشارين» يعملون مع «مجلس منبج العسكري»، فيما أكد أن الوحدات المقاتلة ــ وهي التي تستخدم تلك الأسلحة الأميركية ــ سبق لها أن غادرت المدينة.
أكدت أنقرة عدم وجود «طرف ثالث» ضمن أجندة الاتفاق

ويبرز أيضاً في التصريحات الرسمية التركية، الحديث عن غياب أي «طرف ثالث» (خارج الطرفين الأميركي والتركي) عن مستقبل منطقة منبج، حيث ستتولى قوات من البلدين حفظ الأمن لحين تكوين هياكل «تعكس التشكيلة الديموغرافية للمدينة قبل الحرب» وغير مرتبطة بـ«الوحدات» الكردية، على حدّ وصف جاويش أوغلو. وكان الأخير أكثر دقة في الحديث، إذ أكد أنه «لن يكون هناك دور لأي دولة ثالثة في منبج، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وبلجيكا»، وهو ما يشير إلى احتمال انسحاب القوات الفرنسية العاملة في محيط منبج، من دون أن يخرج أي تعليق فرنسي رسمي حول هذه النقطة حتى الآن. كذلك أكد الوزير التركي أن بلاده تطلع الجانب الروسي بتفاصيل التفاهمات حول منبج «فهي ليست صفقة سرية». وبرغم تأكيد تركيا مراراً أن شرق الفرات سيكون ساحة مستقبلية لتفاهمات مماثلة، إن نجحت الترتيبات في منبج، برزت أمس إشارة جاويش أوغلو إلى أن «تهديد (الوحدات) الأساسي يأتي من شرق نهر الفرات»، وتوضيحه أن التفاهمات بشأن مناطق هناك (مثل عين العرب وتل أبيض والرقة) مذكورة ضمن «خريطة الطريق» التي جرى توقيعها. وتبقى طبيعة الشركاء «المحليين» الذين يفترض أن يتولوا إدارة منبج وفق التفاهمات الجديدة، بعد توافق أميركي وتركي، غير واضحة حتى الآن، برغم الافتراضات التي طرحتها أوساط معارضة عن احتمال دخول شخصيات معارضة ترعاها تركيا، إلى تشكيلة تلك الإدارات، بعد أن سبق أن زارت مدينة منبج خلال الفترة الماضية. ويعيد هذا التصور إلى الأذهان، ما نُقل عقب احتلال قوات «التحالف» مدينة الرقة، عن عرض أميركي بنقل مراكز عمل المعارضة السياسية إلى مدينة الرقة، مقابل شراكة مع المكونات الكردية الفاعلة ضمن «قوات سوريا الديموقراطية».
وفي موازاة المواقف التركية، كان البيان الصادر عن «الوحدات» ملائماً لدعم الالتزام الأميركي ضمن الاتفاق، وتضمّن في الوقت نفسه الإشارة إلى استعداد القوات للعودة نحو منبج «إذا اقتضت الحاجة» لتقديم الدعم والعون» للأهالي. وكما كانت لغة البيان مدروسة لمصلحة الطرف الأميركي، خرج بيان عن وزارة الخارجية الأميركية، يؤكد دعم واشنطن لعمليات «قوات سوريا الديموقراطية» ضد «داعش» في شرق سوريا، وفخرها بالعمل معهم «لتخليص سوريا من ويلات داعش والمساعدة في بناء مستقبل أفضل لجميع السوريين». ولم يهمل البيان التذكير بسياسة الرئيس دونالد ترامب، داعياً أعضاء «التحالف الدولي» والشركاء الإقليميين والحلفاء إلى «تقاسم عبء جهود الاستقرار الجارية، التي تُعَدّ حاسمة للحفاظ على المكاسب العسكرية التي تحققت». وبينما تركت قوات «التحالف» الجبهة المحيطة بنطقة هجين، وانتقلت إلى تأمين الحدود مع العراق بين ريفي الحسكة ودير الزور، كثّف تنظيم «داعش» هجماته خلال الأيام الماضية، انطلاقاً من مواقعه على الضفة الشرقية، باتجاه نقاط الجيش السوري على الضفة الغربية، وتحديداً في بلدات الجلاء والحسرات والسيال، بالتوازي مع هجمات من جانب البادية، في محاولة لخلق ثغرة تصل مناطق سيطرته عبر الفرات.