بعد قرابة أسبوع على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الأردن، فاجأت السعودية الرأي العام بدعوتها إلى لقاء قمة أردني ــ سعودي ــ إماراتي ــ كويتي في مكة. دعوة وضعتها المملكة «في إطار اهتمام خادم الحرمين بأوضاع الأمة العربية، وحرصه على كل ما يحقق الأمن والاستقرار فيها». لكن تتبّع مسار الأحداث التي سبقت اشتعال الفتيل الأردني مطلع شهر حزيران/ يونيو الحالي، يثبت أن هذه «الصحوة» السعودية المباغتة ليست هبّة جماعية لنجدة الأردنيين، بقدر ما هي إجراء احترازي مطلوب خليجياً وأميركياً وإسرائيلياً لتطويق الاضطرابات في المملكة الهاشمية، ومنعها من الانفلات على نحو يصعب التحكّم فيه.أدركت الرياض، على ما يبدو، أن الذهاب بعيداً في استخدام سياسة الترهيب الاقتصادي بحق عمّان سيؤتي نتائج معاكِسة لما كان يتطلع إليه الخليجيون من وراء قطعهم المساعدات عن الأردن. ذلك أن استمرار الاضطرابات في البلد الذي يُنظر إليه على أنه حجر الرحى في منظومة حماية الاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط من شأنه تهديد أمن جيرانه الخليجيين، الذين بذلوا جهوداً في منع انتقال عدوى «الربيع العربي» إليهم. يُضاف إلى ما تقدم، أن تصعيد الضغوط على المملكة الهاشمية، التي تُعدّ أحد أكثر البلدان تلقّياً للمعونة الأجنبية، ربما يحمل حكامها على انتهاج خطة مشابهة لما قامت به قطر عقب فرض المقاطعة عليها، لناحية تعزيز العلاقات بمن تراهم السعودية خصوماً لها، وعلى رأسهم الأتراك والإيرانيون. في هذا السياق، ليس من دون دلالة تأكيد الزعيمين، التركي رجب طيب أردوغان والأردني عبد الله الثاني، خلال مباحثات هاتفية جمعتهما أول من أمس، عزمهما على تعزيز العلاقات الثنائية.
توقعات باستئناف تمويل خليجي بقيمة 5 مليارات دولار للأردن


قبل ذلك، كانت مؤشرات أردنية عديدة قد أثارت الريبة لدى حكام الرياض وأبو ظبي إزاء حليفهم الذي كان مرشحاً لعضوية مجلس التعاون الخليجي، قبل أن يدخل الأخير مرحلة موت سريري باندلاع الأزمة الخليجية. أزمة لم يَرُق السعوديةَ والإمارات أداءُ المملكة الهاشمية في خضمها، إذ وعلى الرغم من قيام الأردن بتخفيض مستوى علاقاته الدبلوماسية مع قطر، إلا أن البلدين حافظا على نوعٍ من الودّ بينهما، سيكون افتتاح خط ملاحي بين العقبة والدوحة قريباً تجلياً واضحاً من تجلياته. هذا الدفء الذي لا يزال يَسِم العلاقات الأردنية ــ القطرية يبدو، بالنسبة إلى السعوديين، قابلاً للهضم مقارنة بتمنّع عمّان عن الانخراط في موجة التصعيد الأخيرة ضد إيران. ومن هنا، تخشى السعودية أن يتسبّب الإصرار على معاقبة الأردن في ما بات يُصطلح على تسميته «الارتماء في أحضان إيران».
خشية لا تظهر منفصلة عن هاجس آخر متصل بإسرائيل، التي لا يحتاج الحديث عن توجسها من تبعات الاحتجاجات الشعبية على بلد كان له الفضل في حفظ أمن الكيان لعقود مستطيلة إلى عظيم استدلال، إذ إن تواصل الاضطرابات، واتساع رقعتها، من شأنهما تهديد أركان النظام الأردني، الذي لا يمكن لواشنطن وتل أبيب البتة ضمان ما سيَخلفه في حال غلبة الحراك المطلبي عليه. وبالتالي، يمكن القول إن قمة مكة قد لا تكون خالية من إيعاز أميركي إلى الخليجيين بإرخاء الطوق الاقتصادي المفروض على الأردن، منعاً لما هو أسوأ. وانطلاقاً من ذلك، تدور التوقعات حول إمكانية أن تسفر القمة الرباعية عن استئناف عمليات تمويل بقيمة خمسة مليارات دولار، كانت دول الخليج قد خصّصتها للمملكة الهاشمية في كانون الأول/ ديسمبر 2011، قبل أن تتنصّل منها. ولعلّ الحضور الكويتي في القمة يمثل، بالنسبة إلى الأردنيين، عامل طمأنة إلى أنهم سيعودون ــ أقلّه مؤقتاً ــ إلى الحظوة الخليجية، بعيداً من ابتزازهم بعصا التجويع. هل يعني ذلك أن الثمن المطلوب من الأردن لإتمام «صفقة القرن» سيتم التراجع عنه؟ حتماً لا؛ إذ إن هذا الثمن يشكّل معلماً رئيساً من معالم الخطة التي كان ترامب ينوي إعلانها قريباً، إلا أن رفع الحظر عن الدعم الخليجي لعمّان يشي بأن الشروط الأميركية ــ السعودية على المملكة الهاشمية ربما يتم تجميدها مرحلياً، وهو في الوقت نفسه يجلّي حجم المصاعب التي لا تزال تعترض طريق «صفقة القرن».