بداية الشهر الماضي، أعلن المشير خليفة حفتر انطلاق حملة عسكريّة على درنة، آخر المدن الكبرى الخارجة عن سيطرته في شرق البلاد. كرّس رجل الشرق القويّ إمكانات هائلة في الحرب، حيث استجلب تشكيلات عسكريّة من مناطق بعيدة واقعة تحت سيطرته، وفي حين كان الرجل ينوي إعلان الانتصار بحلول عيد الفطر، ترك الفراغ الأمنيّ في منطقة الهلال النفطيّ الواقعة في وسط البلاد فرصة لرجوع إبراهيم الجضران.والجضران شخصيّة إشكاليّة، حيث كان يقود فرع المنطقة الوسطى لـ«حرس المنشآت النفطيّة»، وأعلن عام 2013 سيطرته على أهم موانئ تصدير النفط في البلاد بدعم من قبيلة «المغاربة» الكبيرة التي ينتمي إليها. حينها أبدى الرجل توجهات إقليميّة، حيث أعلن نفسه ممثلاً لمصالح إقليم برقة (شرق البلاد) وعطّل تصدير النفط مطالباً بزيادة حصّة منطقته من موارده. تراجع حينها إنتاج النفط إلى مستويات غير مسبوقة، ما قاد إلى قتال عسكريّ مع تشكيلات من المنطقة الغربيّة أدت إلى تدمير جزء مهمّ من البنية التحتيّة النفطيّة.
لاحقاً، أعلن الرجل تبعيّته لـ«حكومة الوفاق» بعدما قدمت له مخصّصات ماليّة طلبها منها، وشارك في ردع تنظيم «داعش». لكن بعد دحر التنظيم من مدينة سرت وضواحيها، جاء خليفة حفتر وأقصى الجضران من دون قتال تقريباً، حيث يسّرت صفقة مع قبيلة «المغاربة» العمليّة. اختفى الشاب المتمرّد، وبقي مصيره الشخصيّ مجهولاً، لكن قواته التي انسحبت نحو جنوب وغرب البلاد بقيت نشطة، فقد شنّت هجومين نهاية 2016 وبداية العام الماضي، انتهى ثانيهما إلى السيطرة على بعض الموانئ لأيام معدودة قبل أن تستعيدها قوات حفتر.
عاد إبراهيم الجضران للظهور مع هذا الهجوم الثالث، حيث خرج في شريط فيديو ليعلن عمليّة يقودها بدعم من قبيلته ورفقة مجموعات داعمة من قبيلة «التبو» وقبائل المنطقة الشرقيّة، الهدف منها «عودة المهجرين» و«رفع الظلم». فُهم من الأمر أنّ «سرايا الدفاع عن بنغازي» مشاركة في العمليّة، وهي تحالف ميليشيات إسلاميّة طردها حفتر من بنغازي. وبينما نفى «سلطان التبو» أحمد الأوّل مشاركة قبيلته في الهجوم، أشارت وسائل إعلام إماراتيّة إلى مشاركة «قوات تباويّة تشاديّة» تعمل تحت إمرة المتمرد تيمان أرديمي المقيم في قطر. وتنبغي الإشارة هنا أيضاً إلى أنّ مجموعة الجضران قالت إنّ قوات حفتر تشمل مقاتلين من حركة «العدل والمساواة» السودانيّة المعارضة (من دون تأكيد للمعلومتين).
لم تقم خطّة الجضران على العودة إلى المطالبات القديمة ذاتها


لم تقم خطّة الجضران على العودة إلى المطالبات القديمة ذاتها، أي تبني خطاب إقليميّ، حيث أعلن بعد سيطرته على ميناءي السدرة وراس لانوف أنّه يضعهما تحت إدارة حكومة الوفاق الوطنيّ التي تعمل انطلاقاً من العاصمة طرابلس. وفي واقع الأمر، تقع المنشآت النفطيّة تحت سيطرة قوات تابعة لحفتر، لكن تديرها «المؤسسة الوطنيّة للنفط» المتمركزة في طرابلس بقرار من مجلس الأمن الدوليّ.
من ناحية أخرى، يبدو أنّ قبيلة «المغاربة» غير مساندة للجضران، إلاّ أنّها ليست معارضة له أيضاً. حيث أصدر المجلس الاجتماعيّ للقبيلة بياناً استغرب فيه الحديث عن «حرب دائرة بين الجيش الليبيّ وإرهابيّين في شكل تعسفيّ وسطحيّ»، ودعا إلى «ضبط النفس» و«وقف إطلاق النار وتحليق الطيران العسكريّ»، كما أشار إلى «تشكيل مجموعات عمل للتواصل مع جميع الأطراف». ويأتي هذا البيان عقب بيانات عدّة مطالبة بحلّ المشكلة مع مجموعة «حرس المنشآت النفطيّة» وعائلاتهم المطرودين أصدرتها القبيلة على مدى العامين الماضيّين، كان آخرها نهاية الشهر الماضي، جاء فيه إنّ «المجلس الاجتماعيّ لقبيلة المغاربة... استنفد كافة الجهود المبذولة مع الجهات المختصّة لحل مشكلة النازحين من أبناء القبيلة، (لكن) كل الاتفاقات، مثل سابقتها، لم تصل إلى مرحلة التطبيق الفعليّ».
وبينما تنتشر أخبار متناقضة حول حشد حفتر لشنّ حملة قصف جويّ على المواقع التي سيطرت عليها قوات الجضران، وحول مساعٍ قبليّة لتسوية الخلاف، أوقعت الاشتباكات خسائر في البنية التحتيّة للنفط، حيث أجلت «المؤسسة الوطنيّة للنفط» عمالها من الميناءين، وقالت إنّها خسرت نحو 240 ألف برميل نفط حرقاً، إضافة إلى توقف التصدير الدوليّ، ما يُهدد مصدر الدخل الرئيسيّ لمعظم الليبيّين. من الناحية الدوليّة، دانت الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، ومنظمات دوليّة وإقليميّة، الهجوم، واعتبرته تصعيداً سلبيّاً للصراع في البلاد، داعية إلى وقف القتال والتحاور.