تأتي معركة الحديدة، التي تقودها الإمارات بمساندة أميركية وبريطانية ومشاركة فرنسية، بعدما استنفدت قوى العدوان جميع الخيارات التي كانت راهنت عليها طوال فترة الحرب، ولكنها فشلت، بل وتسبّبت بإضافة نقاط قوة إلى رصيد «أنصار الله». إزاء ذلك، وفي ظل العجز العسكري، واستمرار الحرب من دون أفق سياسي، وجدت قيادة «التحالف» نفسها محتاجةً إلى تجديد رهاناتها لإيهام المجتمع الدولي بأن ثمة أوراقاً حاسمة لم تُستخدم بعد، وبأنها في حال استخدامها ستغير مجرى الحرب. من هنا، جاء إعلان معركة الحديدة، والذي استدعى استغاثة إماراتية بالولايات المتحدة تحسّباً لفشل الرهان على الورقة الأخيرة. واستشعاراً منها بخطورة فشلٍ من هذا النوع، بدت واشنطن أكثر حضوراً في هذه المعركة مقارنةً بما سبقها.على أن الإمارات - باتخاذها قرار احتلال الحديدة - كانت أكثر واقعية من شقيقتها الكبرى السعودية، حينما أعلنت أن هدف حملتها العسكرية هو الإتيان بـ«أنصار الله» إلى طاولة المفاوضات، فيما لا تزال السعودية تتجه نحو خيارات أقلّ تعقّلاً، لا تتناسب مع حجم قوتها، ولا مع عجزها عن فرض الحسم العسكري وتغيير الوقائع على الأرض، واضِعةً بذلك نفسها بين «السيء» و«الأسوأ» على حدّ تعبير ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، بمعنى أنها استنفدت جميع خياراتها الممكنة، وبقيت عالقة في عنق الزجاجة، لتتجه بسرعة نحو الانتحار السياسي والعسكري. وبمعزل عن تفاوت الرؤى الإماراتية والسعودية، فإنه، وفي ظل تتالي المؤشرات إلى فشل غزوة الحديدة في تحقيق أهدافها، بالإمكان توقع تداعيات دراماتيكية على قوى العدوان بفعل هذا الفشل، لا سيما أن فعالية القوة الصاروخية لـ«أنصار الله» في قصف أهداف عسكرية في كل من الرياض وأبو ظبي بعد معركة الحديدة الفاشلة ستكون مختلفة عما قبلها. وستضطر كل من السعودية والإمارات، والحال هذه، إلى أن تعيش تحت رحمة فقدان الأمن في عاصمتيهما من دون أن تكون لديهما أوراق للمقايضة.
تريد السعودية استئصال «أنصار الله» وإن لم تعترف بذلك


لقد وضع تحالف العدوان على اليمن، منذ بداية حربه، هدف القضاء على «أنصار الله» واستئصالهم بوصفهم حركة تمرد نصب عينيه، وإن لم يعترف بذلك لما في الاعتراف من إضرار بمصلحته. هدفٌ تنقلت السعودية، في السعي إلى تحقيقه، من خطة عسكرية و/ أو سياسية إلى أخرى، من دون أن ينجح أي منها في تحقيقه. وهي خطط يمكن إجمالها على النحو الآتي:
- الرهان على أن إسقاط المحافظات الجنوبية سيؤدي إلى هزيمة كلية لـ«أنصار الله». ولئن بات جنوب اليمن خاصرة رخوة بالنسبة إلى سلطات صنعاء، إلا أن عملية إعادة الانتشار التي نفذتها «أنصار الله» (بانسحابها من تلك المحافظات) هي ما مكّنها من توفير القوى العسكرية والبشرية للدفاع عن مناطق الشمال بما هو أكثر ملاءمة على المستوى العسكري.
- الرهان على معركة تعز ربيع عام 2016، حيث كان «التحالف» يفترض أن «تحرير» المدينة سيؤدي إلى انفراط عقد سيطرة «أنصار الله» على بقية مناطق البلاد، وذلك لتوسطها خريطة اليمن الجغرافية، وربطها شماله بجنوبه، ما يجعلها نقطة انطلاق للقوات المعادية باتجاه محافظات مهمة تسيطر عليها «أنصار الله» مثل الحديدة وإب وذمار والبيضاء، وصولاً إلى العاصمة صنعاء. إلا أن رهان «التحالف» على إسقاط تعز لم يفشل فحسب، بل تحولت المعركة التي تمّ التجهيز والترويج لها لثلاثة أشهر كاملة إلى صراعات شرسة بين دولة الإمارات و«التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) لا تزال محتدمة إلى اليوم.
- الرهان على جبهة نهم التي تبعد عن مطار صنعاء نحو 40 كلم، وهي بالفعل تشكل تهديداً مباشراً للعاصمة صنعاء، وقد استمرت المعركة فيها أكثر من عام كامل في أعقاب انهيار مفاوضات الكويت، إلا أنها انتهت بانهيار الجبهة وسقوطها بيد الجيش واللجان الشعبية.
- رهان الفتنة الداخلية نهاية عام 2017، وهو من أخطر الرهانات التي اعتمد عليها «التحالف» في مواجهة «أنصار الله». ولولا السرعة في احتواء الموقف، والتعجيل في ضرب التمرد الداخلي الذي قاده الرئيس السابق علي عبد الله صالح في المهد، والقضاء على رأسه، لأصبح موقف «أنصار الله» ضعيفاً، ولأثّرت «فتنة ديسمبر» على الجبهات العسكرية كافة، بل وجعلت مواجهة العدوان برمتها على المحك.
- رهان إنهاء العداوة مع «الإخوان المسلمين»، وتعزيز الجبهة المحلية الموالية لـ«التحالف» بعد فشل «فتنة صالح»، وهو ما تجلى في اللقاء الشهير الذي جمع محمد بن سلمان بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والقياديَين «الإصلاحيَين» محمد اليدومي وعبد الوهاب الآنسي، منتصف الشهر الأخير من العام الماضي. إلا أنه لم يكد يبدأ الشروع في هذه الخطة، حتى عادت المواقف العدائية إلى الظهور مجدداً، بل وأخذت طابعاً أكثر شراسة وحدّة في الخطاب السياسي والإعلامي، وآخر دموياً على الأرض كما ظهر في أحداث عدن نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي.