الجزائر | مساء أول من أمس، أقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، القائد العام للشرطة اللواء عبد الغني هامل، وهو أيضاً رئيس «الأفريبول» (شرطة أفريقيا)، وعيّن بدلاً منه المدير العام للحماية المدنية (الدفاع المدني) مصطفى لهبيري. حمل خبر الإقالة والتعيين بيان صدر عن رئاسة الجمهورية ووزعته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، من دون إعطاء توضيحات عن دوافع هذه الخطوة. لكن الواضح أنّها على علاقة بشحنة الكوكايين، على اعتبار أنّ الأمر جاء بعد تصريحات أدلى بها الرجل وصفتها الأوساط السياسية والإعلامية بالخطيرة جداً، إذ اتهم فيها أطرافاً في السلطة باستغلال موضوع المخدرات لتصفية الحسابات مع خصومها.وانتقد اللواء المقال مسار التحقيق الذي تقوده المخابرات، مؤكداً أنّ فيه ظلماً وتجاوزات لا يمكن تقبلها والسكوت عنها، معرباً عن دخول جهاز الشرطة الذي يقوده المعترك بتحقيق مواز للتحقيق الرسمي. وبلغت المواجهة المباشرة مع الجيش مداها حين قال: «ينبغي على من يقود حرباً على الفساد أن يكون نظيفاً»، وهي إشارة إلى فساد الجهات التي تحقق في موضوع شحنة المخدرات.
ملأ الفيديو مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشرت الصحف محتواه، واعتُبِر ذلك بداية لمواجهة قوية بين القوى المتناحرة داخل جهاز الحكم قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نيسان/ أبريل 2019.
جاء قرار الإقالة مفاجئاً ولم يكن أحد يتوقعه، لا في الجزائر ولا في الخارج، كون اللواء ينتمي إلى النواة الصلبة في النظام التي كان يقودها الرئيس بوتفليقة شخصياً، ويُقال إنّ رعايتها تحولت الى شقيقه سعيد بوتفليقة، كبير مستشاري الرئاسة. وتضم هذه النواة قيادات متنفذة عسكرية ومدنية، تتحكم في مفاصل الدولة أمناً ومالاً وقضاءً. وفي الآونة الاخيرة، أصبح هامل المرشح الأبرز للجلوس على كرسي الرئاسة خلفاً لبوتفليقة. فهو ينحدر من نفس منطقته (ندرومة) على الحدود مع المغرب، وهو من كان سيقود عملية «إبقاء الحال على حاله».
وفي شهر آذار/ مارس الماضي، أشارت جريدة «لو موند» الفرنسية إلى أنّ السلطات في الجزائر وفرنسا تتشاوران حول خليفة بوتفليقة، ورشحت عبد الغني هامل بامتياز، فيما رشحت الجناح المقابل إلى مزيد من الضعف بإقالة محتملة للوزير الأول أحمد أويحيى، وإضعاف القائد العام لأركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.
ينتمي اللواء المُقال إلى نواة النظام الصلبة وكان يقودها بوتفليقة


وكان عبد الغني هامل قد عُيِّن على رأس جهاز الشرطة عام 2010 على أثر اغتيال قائد الشرطة السابق علي تونسي، في مكتبه بسلاح أحد أعوانه. وكان تونسي ينتمي إلى جناح مدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين (توفيق)، الذي كان بدوره اقوى رجل في البلاد قبل أن يشنّ عليه محيط الرئيس حرباً شعواء أتت على معاونيه واحداً تلو الآخر بالإبعاد والسجن، ثم انتهت إلى التخلص منه في خريف 2015.
ومنذ تعيينه على رأس جهاز الشرطة وهو برتبة عقيد، سعى عبد الغني هامل إلى تحويل هذا الجهاز الى جيش مواز للجيش الوطني الشعبي من حيث العدد الذي قفز إلى أكثر من 250 ألف شرطي بتجهيز عال، بما في ذلك قوة طيران، ما أثار حفيظة قيادات في الجيش.
يُذكر أنّ الجيش الجزائري قام بعملية بحرية كبيرة آخر شهر أيار/ مايو الماضي على أثر معلومات وصلت إلى وزارة الدفاع من جهة أمنية إسبانية تفيد بوجود باخرة محملة باللحم المستورد آتية من البرازيل، وفي إحدى حاويات اللحم أكثر من 700 كيلوغرام من الكوكايين. طوّق الجيش السفينة وأجبرها على دخول ميناء وهران، وتم اكتشاف الكمية الكبيرة من المخدرات الصلبة التي قدرت قيمتها بنحو 45 مليون دولار. في اليوم التالي، اعتقلت المخابرات العسكرية صاحب الشركة المستوردة وقدمته باسم «كمال. ش.» المدعو «كمال البوشي ـــ الجزار» وصادرت حاسوبه وهواتفه النقالة فوجدت ارتباطاته بعدد كبير من الأشخاص هم على صلة بالشحنة. ومن بين هؤلاء السائق الخاص باللواء عبد الغني هامل وأبناء وأشقاء مسؤولين عسكريين ومدنيين. ووجد المحققون وثائق لدى المتهم الأول تثبت تورط كثيرين في الفساد، تمكّن بعضهم من مغادرة البلاد هرباً من التحقيق، فيما تجنب العودة من كانوا خارجها. وكان السؤال الكبير الذي طرح وقتها: لماذا اتصل الجانب الإسباني بوزارة الدفاع الجزائرية وليس بوزارة الخارجية أو الداخلية؟ ولماذا لم يمر التبليغ عبر الأنتربول أو اليوروبول؟ لكن بعد حادثة إقالة عبد الغني هامل، ربما تبيّن غرض الإسبان من التوجه مباشرة الى الجيش.
ويبحث المحققون خصوصاً عن وجهة شحنة الكوكايين الضخمة التي تكفي لتمويل حرب أو قلب نظام أو تثبيت آخر. وبينما تجرى «حرب القمة»، يتفرج الجزائريون على ما يحدث وتنقل الصحف أخباراً، بعضها يستند إلى حقائق وبعضها الآخر محض شائعات. وكما الحال في كل القضايا الساخنة، عبّر كثيرون عن مواقفهم بالتهكم والتنكيت، ونشر رواد منصات التواصل الاجتماعي «بوستات» و«تغريدات»، من بينها «البلد يحتاج إلى أكثر من رجل إطفاء لتصويب وضعه»، في إشارة إلى تعيين مدير «الدفاع المدني ـــ المطافئ» في منصب القائد العام للشرطة.
وعلى خلاف المتهكمين، يطرح كثيرون آخرون سؤالاً جدياً: ما الذي سيكون عليه الوضع بعد إقالة هامل؟ فالرجل ينتمي إلى جناح قوي جداً، أمناً ونفوذاً ومالاً، يملك «جيشاً» علنياً وآخر سرياً، يخرج في «الأوقات الحرجة» لقيادة عملية «الدولة الفاشلة».