تونس | يبدو أن سياسة الحكومة الإيطالية الجديدة «المتشدّدة تجاه الهجرة» بصدد أخذ بعد عمليٍّ، وبالتحديد في ليبيا. فبعد أيام قليلة من زيارة وزير الداخليّة ماتيو سالفيني، إلى العاصمة طرابلس، حيث التقى عدداً من المسؤولين في حكومة الوفاق، أصدر الجيش الذي يقوده خليفة حفتر بياناً أمس، يحذّر من إنشاء حضور عسكريّ أجنبيّ في جنوب البلاد. لكن حفتر ليس وحده، إذ تشقّ مدينة غات في جنوب غربيّ البلاد خلافات منذ أيام حول زيارة وفد إيطاليّ لها، وصل حدّ التصعيد العسكريّفي أوّل زيارة له إلى ليبيا، وصل وزير الداخليّة الإيطاليّ ماتيو سالفيني إلى طرابلس يوم الاثنين. تركزت زيارة سالفيني، وهو زعيم حزب «رابطة الشمال» اليمينيّ، على مسألة «وقف تدفّق المهاجرين من سواحل ليبيا». وعلى رغم الحديث الكثير عن تشييد مراكز إيواء للاجئين خارج الاتحاد الأوروبيّ، فقد أكد في حينه عضو المجلس الرئاسيّ للحكومة الليبيّة أحمد معيتيق، خلال ندوة صحافيّة مع سالفينيّ، رفض حكومته تأسيس مثل تلك المراكز لأنّها مخالفة للقوانين واللوائح الليبيّة.
لكن الزيارة لم تمر من دون ضجّة، إذ أثارت برمجة زيارة لوفد إيطاليّ إلى مدينة غات في جنوب غربي البلاد (تسرّب أنّها لبحث نشر قوات عسكريّة فيها)، زوبعة من التصريحات والمواقف. ويوم أمس، أصدر «الجيش الوطنيّ الليبيّ»، وهي التسمية التي أطلقتها قوات حفتر على نفسها، بياناً موجهاً إلى «بعض الأطراف الدوليّة» جاء فيه: «تحذّر القيادة العامة للقوات المسلحة هذه الأطراف من القيام بهذا العمل الذي نعتبره ينتهك في شكل صارخ قواعد القانون الدوليّ ويمثّل اعتداء سافراً على الدولة الليبيّة وسيادة أراضيها». ولم يقف التحذير عند ذلك الحدّ، وإنّما أكد «اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بحماية الدولة الليبيّة وحدودها وشعبها».
ويأتي بيان حفتر بما يشبه المزايدة على حكومة فائز السراج المتمركزة في طرابلس، والتي تعتبرها أطراف مقربة منه «حكومة مفروضة من الخارج». ومن الناحية العمليّة، لا توجد في مدينة غات أي قوات موالية لحفتر، فالمدينة ووفق تأكيد الباحث الليبيّ حسن كدنو خلال حديث إلى «الأخبار»، «تُعتبر من أكبر المدن المساندة لنظام معمّر القذافيّ، ولا تزال كذلك، حيث ترفع إلى اليوم الأعلام الخضراء وتقام الاحتفالات بأعياد القذافي، مثل الاحتفال بثورة الفاتح».
في مدينة غات، وُعد الرافضون بإدماجهم في مشاريع ستنجزها إيطاليا


مع ذلك، لم تبق المدينة الواقعة ضمن مثّلث حدوديّ يشمل الجزائر والنيجر بعيدة عن ردود الأفعال، حيث انفجر في الأيام الماضية خلاف بين عدد من مؤسساتها. من ناحية، أصدر يوم الثلاثاء «المجلس الاجتماعيّ للقبائل والمكونات الاجتماعيّة بغات» بياناً اعتبر فيه «أيّ وجود عسكريّ إيطاليّ... من قبيل الاحتلال، وأنّ أيّ عمل يقوم به أيّ فرد ليبيّ ضدّ هذا الاحتلال الإيطاليّ عمل مشروع بل هو واجب ودفاع عن أرض الوطن». وعلى رغم عدم صدور بيانات أخرى في هذا الاتجاه، أكد حسن كدنو وجود مجلسين اجتماعيّين آخرين يعارضان الحضور الإيطاليّ في المنطقة.
من جهة ثانية، أصدر المجلس البلديّ (منتخب) بياناً اعتبر فيه أنّ «المجلس الاجتماعيّ لا يمثّل أهالي المدينة وأعطى لنفسه الصفة من دون وجه حقّ». وأكد المجلس البلديّ أنّ الزيارة تأتي ضمن إطار اتفاقية الصداقة الموقعة بين البلدين في 2008، والتي تلزم الجانب الإيطاليّ بإنجاز مشاريع تنمويّة في المناطق الحدوديّة والمساعدة على ضبط الحدود.
ومع أنّ المجلس الاجتماعيّ وبقيّة الرافضين قد أرسلوا عدداً من المسلحين للسيطرة على مطار غات، وهو ما تمّ منذ مساء الأربعاء، يقول حسن كدنو إن المسألة ليست بتلك البساطة. وفقاً للباحث، تجري منذ أيام اتصالات للملمة الأمر، حيث «وُعد الرافضون للحضور الإيطاليّ بإدماجهم في مشاريع ستنجزها إيطاليا، وهو تكتيك يبدو أنّه قد نجح نظراً إلى أنّ المنطقة بقيت مهمّشة من قبل حكومات البلاد لموقفها السياسيّ، وفي حال جرى تقليص عدد المعترضين، لن يمثّل المسلحون المسيطرون على المطار مشكلة، حيث أنّ تسليحهم خفيف وسيقع دحرهم سريعاً».
أما بخصوص الخطّة الإيطاليّة نفسها، فهي ليست بالأمر الجديد، لكن تفاصيلها لم تنته إلاّ أخيراً. ففي نهاية العام الماضي، قالت جريدة «لاريبوبليكا» الإيطاليّة إنّ حوالى 500 جنديّ إيطاليّ سيتمركزن قرب الحدود الليبيّة الجنوبيّة، لكن من ناحية النيجر، وفي قاعدة عسكريّة فرنسيّة. لم يحصل شيء منذ ذلك الوقت، لكن قبل أيام، نشرت وكالة «ستامبا نوفا» تفاصيل جديدة، حيث قالت إنّ إيطاليا حدّدت خمس نقاط على طول حدود ليبيا الجنوبيّة سيجري إنشاء «مراكز مراقبة للهجرة» فيها، وسيتمّ تركيز غرفة العمليّات في القاعدة الجويّة بمدينة غات.
وقالت مواقع إيطاليّة إنّه في الأثناء لم تتوقف البعثة الإيطاليّة عن العمل في الساحل الشماليّ الغربيّ، حيث تؤدي مهمّة بتمويل أوروبيّ لمراقبة وتقييم تقدّم «عمليات منع الهجرة». كما تسرّب أنّ إليزابيتا ترينتا، وزيرة الدفاع الإيطاليّة المنتمية إلى «حركة خمس نجوم» الشعبويّة، ستؤدي زيارة إلى ليبيا الشهر المقبل لمناقشة مسائل أمنيّة «مرتبطة بمقاومة الإرهاب».
وقد ارتكزت سياسة إيطاليا منذ قدوم حكومة الوفاق الوطنيّ إلى طرابلس قبل عامين على دمج ميليشيات تهريب البشر المتمركزين على سواحل غرب البلاد، في المنطقة بين الحدود التونسيّة والعاصمة طرابلس. لكن بداية الشهر الماضي، أعاد مجلس الأمن الدوليّ إدراج قائدي كتيبتين جرى دمجهما سابقاً ضمن الأجهزة الأمنيّة لحكومة الوفاق في قائمة حظر السفر وتجميد الأصول الماليّة، وهما أحمد عمر الدباشي (يُلقب بالعمو)، آمر كتيبة الشهيد أنس الدباشي العاملة بين مدينتي صبراتة والزاوية، ومصعب أبو قرين، آمر كتيبة تعمل في مدينة صبراتة.



اتفاق أوروبي غامض يثير القلق


في بروكسيل، وبعد تسع ساعات من المفاوضات الشاقة، لم يتمكن الأوروبيون من تجاوز خلافاتهم حول ملف الهجرة على رغم اتفاق صعب توصلوا إليه فجر أمس. واعتبرت دول وسط أوروبا الأكثر مناهضة لاستقبال المهاجرين، أنّها حققت انتصاراً إثر القمة، مؤكدة أن التسوية لم تتضمن أي إجراء استقبال إلزامي، وذلك بعدما توعدت إيطاليا بتعطيل صدور أي نص مشترك بسبب عدم تضامن جيرانها معها لمواجهة وصول المهاجرين إلى سواحلها. وعلّق رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي (الصورة)، بعد «توصيات» القمة التي تمت الموافقة عليها بالإجماع، أنّ «إيطاليا لم تعد وحدها».
يقترح الاتفاق خصوصاً «مقاربة جديدة» كثيرة الغموض وتثير تساؤلات ليبية، تقوم على إنشاء «نقاط وصول» للمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي لمنع عمليات عبور البحر المتوسط. وينص الاتفاق أيضاً على زيادة موارد «وكالة حرس الحدود الأوروبية» التي يطلق عليها «فرونتكس» (من دون تحديد أرقام) وتوسيع صلاحياتها. ويخطط كذلك لتعزيز الدعم لخفر السواحل الليبي ويدعو في تحذير للمنظمات غير الحكومية «جميع المراكب التي تعمل في المتوسط» إلى الامتثال للقوانين المطبقة وعدم تعطيل عمليات خفر السواحل الليبي.