غزة | في الوقت الذي استدعت فيه السلطات المصرية قيادة حركة «حماس» في قطاع غزة لزيارة القاهرة، تواصل الحركة دراسة المبادرات الشفهية التي وصلتها عبر عدد من الأطراف العربية والدولية، في ضوء التجاوز الواضح للسلطة الفلسطينية بشأن غزة. وعلمت «الأخبار» أن عدداً من الوسطاء يواصلون نقل مبادرات إلى «حماس»، لكنها كلها لا تزال قيد المشاورة، بين تلك الأطراف والحركة من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية.السفير القطري في الأراضي الفلسطينية، محمد العمادي، عاود مجدداً تقديم مبادرة تشمل صفقة شاملة تتضمن خطوات لتخفيف الحصار إضافة إلى حل قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى. ووفق مصادر مطلعة، وصل العمادي غزة بناءً على اتصالات إسرائيلية استدعته مباشرة لفتح ملف الجنود الأسرى، ولذلك انصبّ جهده على «حلحلة المرحلة الأولى من تنفيذ الصفقة» التي تتمثل في إعلان مصير الجنود الموجودين بحوزة «حماس»، وأيضاً الضغط على الأخيرة، مباشرة وعبر أطراف أخرى، لإقناعها بـ«العدول عن شروطها التي وضعتها لبدء المفاوضات في ملف الأسرى».
كذلك، حاول العمادي وضع مقترحات أخرى تشمل الإفراج عن محرري «صفقة شاليط»، الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم، خلال المرحلة الأولى التي تعقب الكشف عن المعلومات المتعلقة بحياة الجنود. لكن «حماس» رفضت ذلك، وأعلنت أن الإفراج عن أولئك والتعهّد بعدم اعتقالهم مرة أخرى شرطان للبدء بأي صفقة. كذلك قالت إن هذه المبادرات بمجملها يمكن وصفها بأنها «غير واضحة»، طبقاً لمصادر في الحركة، ولا سيما في الجوانب السياسية، وكيفية تنفيذ أي من تلك المبادرات، في ضوء غياب بيئة مناسبة وإمكانات تنفيذها من جهة، ومحاربة السلطة الفلسطينية لها، وليس أخيراً غياب الضمانات لاستمرارها. وقال القيادي في الحركة إسماعيل رضوان، لـ«الأخبار»، إن «حماس مصرّة على الإفراج أولاً عن المحررين، ثم سيعرف الاحتلال ما هو المطلوب منه ليبدأ بالصفقة».
مع فشل مهمته هذه المرة أيضاً، غادر العمادي غزة بعدما تبرّع بـ2.5 مليون دولار لسداد رسوم المتخرّجين الجامعيين، وهي خطوة كانت قد رتّبت لها «لجنة التكافل» المدعومة إماراتياً، لكن بعض الجامعات التي تتبع إداراتها للسلطة، مثل «الأزهر» و«الأقصى»، رفضتا التعاون معها، لكنها قبلت التمويل القطري، فيما رأت قيادات في «التيار الإصلاحي» التابع لمحمد دحلان، أن المساعدة القطرية «لا تخرج عن مناكفة الإمارات». كذلك، حاول الوسيط القطري فتح ملف المصالحة مجدداً بعد لقاء مع رئيس السلطة محمود عباس، استمر لساعتين، لكنّ «حماس» أكدت أن أي لقاء يجب أن يسبقه رفع كامل للعقوبات على القطاع، وهو ما لم يفلح العمادي في أخذ موافقة من عباس بشأنه.
تميل السلطة إلى مقترحات الأمم المتحدة أكثر من مشروع القطريين


مقابل هذا التحرك القطري، خاصة مع تسجيل عدد من الفصائل الفلسطينية اعتراضها على بنود المبادرة، أعلن المصريون رغبتهم في حل مشكلات القطاع من «دون تدخل أطراف جديدة»، كما أُخبرت بذلك «حماس». أيضاً، سجلت القاهرة تحفظها على «تدخل قطر في ملف الجنود الأسرى»، وهو ما ردّت عليه الحركة بالقول إنها لا تزال متمسكة بالدور المصري في هذه القضايا. وكانت «لجان المقاومة الشعبية في فلسطين» قد قالت، في بيان أمس، إن «دماء أبناء شعبنا الفلسطيني أغلى من مشاريع العمادي، وليعلم أن لشعبنا مشروعاً تحررياً لن نقايضه بالمساعدات الإنسانية... تصريحات العمادي تعبّر عن حالة التساوق المشين مع صفقة ترامب الخبيثة». أما «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فطالبت بـ«ضرورة وقف اللقاءات التي تجري في غزة لحل الأزمة فيها بمعزل عن القضايا الوطنية»، داعية إلى مواجهة «التحركات المشبوهة التي يقودها محليون وعرب يعملون كوكلاء للإدارة الأميركية». جرّاء ذلك، أبلغت «حماس» السلطات المصرية أن «أي مبادرة تحمل أثماناً سياسية أو تأتي ضمن المخططات لتسوية القضية الفلسطينية (في إشارة إلى التوكيل الأميركي لمصر بشأن ترتيبات «صفقة القرن») لن تكون مقبولة»، لكنها تقبل تهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال. وتفيد المصادر بأن الحركة علمت من مسؤولين أوروبيين أن السلطة الفلسطينية تواصلت معهم وحذرتهم من المضيّ في أيّ خطوات في غزة، مطالبة إياهم بتأخير أيّ مساعدات حتى إتمام المصالحة.

حوارات مع «فتح»
على جهة مقابلة، أُجريت في الأيام الماضية مباحثات بين «فتح» وقيادة «المخابرات المصرية» طالبت فيها الأخيرة بضرورة تليين الحركة مواقفها لمواجهة الوساطات القطرية والدولية التي تجاوزت دور السلطة في غزة. وعلمت «الأخبار» أن رام الله قدمت عدة مقترحات إلى القيادة المصرية من أجل تفعيل ملف المصالحة، بما في ذلك دعوة «حماس» إلى جلسات، وهو فعلياً ما تجاوبت معه القاهرة، ودعت بناءً عليه قيادة «حماس» لزيارتها والتشاور. وبينما ستظهر طبيعة ردّ «حماس» في الأيام المقبلة، فإن الحركة تشترط قبل تفعيل المصالحة تراجع السلطة عن العقوبات التي تفرضها على غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية هدفها إقامة انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني لـ«منظمة التحرير»، وهو ما أكده نائب قائد الحركة في غزة، خليل الحية، علماً بأن الحية ورئيس «حماس» إسماعيل هنية، سيترأسان الوفد المتّجه اليوم إلى مصر.
مع ذلك، بقيت «فتح» تحمل العصا قبل الجزرة، إذ هدّدت عبر عضو اللجنة المركزية فيها، عزام الأحمد، بأنه «إذا لم تلتزم حماس تطبيق الاتفاقات الموقّعة ووحدة التمثيل الفلسطيني، فإن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ستبحث ملف إنهاء الانقسام بعيداً عن حماس، وسيرفع ذلك لاجتماع المجلس المركزي القادم ليحدد الخطوات العملية لذلك». من جهة ثانية، أبدت «فتح» ميلها إلى مقترحات المبعوث الدولي نيكولاي ملادينوف، أكثر من القطريين، إذ يقول عضو «مركزية فتح»، جمال محيسن، لـ«الأخبار»، إن حركته لا تطمئن كثيراً إلى الدور القطري، بل «ترى فيه تحركاً غير مريح... هناك تأكيد من الأمم المتحدة أن أي تحرك في غزة سيعبر عن طريق السلطة». ويلتقي حديث محيسن مع تأكيد مصادر فلسطينية مختلفة أن ملادينوف سيزور غزة قريباً، لكن السلطة لم ترفض المساهمة القطرية في تمويل رواتب موظفي غزة، سواء كانوا التابعين لها أو من عيّنتهم «حماس»، عبر الآلية الأممية، فضلاً عن تشجّعها لعرض سعودي في تمويل مشاريع ستبنى على الشق الشمالي لمعبر رفح من جانب الأراضي المصرية، وهي خطة لم تتضح تفاصيلها بعد، ولم تكشف الأطراف المعنية عن حقيقة مضامينها.



فياض لـ«الأخبار»: نعم التقيت عباس... وأريد زيارة غزة
إلى جانب الوساطة القطرية والمصرية والأممية في غزة، ظهرت على المشهد السياسي الفلسطيني تحركات لشخصيات محلية، منها رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض، الذي التقى رئيس السلطة محمود عباس، بعد أعوام عدة من الخصومة بينهما، وصلت حدّ إغلاق الأخير مؤسسات تابعة للأول وتجميد أرصدتها. فياض أكدّ، في حديث إلى «الأخبار»، حدوث اللقاء قبل السبت الماضي، مكتفياً بالقول إنه لا يزال ملتزماً مبادرته التي تقدم بها لإنهاء الانقسام قبل ثلاثة أعوام، و«هي ذات الرؤية، ولا جديد عليها لهذه اللحظة، ونأمل أن نصل إلى مقترح ينهي الخلاف والانقسام»، مفضلاً ألا يكشف تفاصيل أخرى عبر الإعلام عن تلك الرؤية حتى نضوجها. لكنه أكد رغبته في زيارة غزة، معقّباً: «هذه مسألة لا يوجد اعتراض عليها، لكن من المبكر الحديث عن تفاصيل». وكان فياض قد زار غزة قبل ثلاث سنوات (2015)، لأول مرة منذ 2005، عندما استضافه «مركز بيت الحكمة» الذي يديره القيادي في «حماس» أحمد يوسف. من جهة ثانية، يجري رجل الأعمال الفلسطيني الوافد من واشنطن، عدنان مجلي صوافطة، جولات لعرض مبادرة تنصّ على «وقف تطوير العمل المسلح، ودمج التشكيلات العسكرية في قوة أمن وطني تتبع لقيادة سياسية متوافقة على برنامج سياسي على عام 1967»، وهو الأمر الذي اعترضت عليه الفصائل. ومجلي، الذي ينفي وجود أي طموح سياسي له، يشاع أنه مقرّب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وينسب إليه أول اتصال بين عباس وترامب.