القاهرة | في عام 2012، أثارت مجموعة من ضباط وزارة الداخلية المصرية مسألة «تُخالف العرف المتبع»، إذ طالب أعضاؤها بالسماح لهم بالعمل وقد أطلقوا لحاهم، وسرعان ما تحوّل الأمر إلى قضية تهمّ الرأي العام لتزامنها مع تصاعد نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيين في مصر. جدال طويل أُطلق في حينه ودخلت على خطه دار الإفتاء المصرية، فيما حاولت وزارة الداخلية وضع حدٍ له عبر إحالة ضباط إلى الاحتياط. لكنّ حكماً صدر عن «محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية» في شهر أيار/ مايو 2012، خالف توجه «الداخلية»، إذ إنّه حصر مسألة إطلاق اللحى في خانة «المخالفة التأديبية... (وبالتالي) لا ضرورة ملحّة» للإحالة إلى الاحتياط.في الأعوام التالية، تتابعت مجريات القضية واستمرّ الشدّ والجذب بين «الداخلية» والقضاء، إلى أن أصدرت دائرة التأديب بالمحكمة الإدارية العليا، في بداية الشهر الجاري، حكماً نهائياً ألغت من خلاله قرار «مجلس التأديب الاستئنافي بوزارة الداخلية رقم 57 لسنة 2014 بعزل عقيد شرطة من وظيفته، بسبب إطلاقه اللحية».
من النقاط اللافتة في الحكم دخوله في شرح مدى شرعية إعفاء اللحية للرجال وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتأكيده أنّ القرآن لم يتضمّن نصاً صريحاً قاطعاً في شأنها وإنما أوردتها السنة النبوية «واختلف عليها جمهور العلماء»، وهذا ما دفع بالكاتب في صحيفة «الشروق» سامح فوزي، إلى التعليق في مقالة أخيرة، أنّه «علينا أن نسأل عن البوصلة التي نبحث عنها». وكتب فوزي في بداية مقالته أنّ البعض «تصوّر أنّ مسألة الضباط وأمناء الشرطة الملتحين توارت مع 30 يونيو 2013، حيث لم يعودوا يعتصمون أمام وزارة الداخلية، وقد حسبهم البعض جزءاً من مشروع سياسي تهاوى»، مستدركاً بأنّ «الحال ليست كذلك (لأنّ) المجتمع كان على موعد مع هذه القضية مجدداً في الذكرى الخامسة لهذا الحدث (30 يونيو) الذي غيّر مسار السياسة فى مصر بانتهاء حكم الإخوان المسلمين».
وفق معلومات «الأخبار»، رفض وزير الداخلية تنفيذ الحكم القضائي


وفق معلومات «الأخبار»، فإنّ حكم «الإدارية العليا» الذي يكسر بالمحصلة عرفاً قديماً في وزارة الداخلية، رفض وزير الداخلية اللواء محمد توفيق «في اجتماع عقده قبل أيام مع مساعديه تنفيذه، مطالباً بضرورة إيجاد مخرج قانوني لمعالجة الأمر، خصوصاً أنّ حصول ضابط واحد على الحكم سيجعل بقية الضباط الملتحين يحصلون على أحكام قضائية مماثلة، وسيؤدي إلى خلل في الوزارة، ليس فقط على مستوى الضباط ولكن أيضاً على مستوى الأفراد والجنود».
نتيجةً لذلك، تمّ الدفع بأحد المحامين المحسوبين على الوزارة للحصول على حكم مضاد لحكم المحكمة الإدارية، أي من محكمة الأمور المستعجلة، وهذا ما سيوصل القضية في نهاية المطاف، بتصوّر «الداخلية»، إلى المحكمة الدستورية نظراً إلى تضارب الأحكام القضائية بين «الإدارية العليا» وبين «الأمور المستعجلة»، علماً أنّ الأخيرة غير مختصة بالمسألة. وعلى رغم أنّ مساراً قضائياً كهذا قد يتطلب سنوات، لكن وفقاً للمصادر فإنّ «وزير الداخلية طلب أن يكون التعامل مع الملف من خارج الوزارة حفاظاً على صورتها أمام الرأي العام»، مشدداً على أنّ «التصريحات الرسمية التي ستصدر خلال الفترة المقبلة من مسؤولي الوزارة يجب أنّ تتسم بالدقة».
ويوم أمس، تقدّم المحامي محمد سالم، بالدعوى وجرى تحديد تاريخ 4 أيلول/ سبتمبر المقبل للنظر بها. وقال سالم إنّ حكم المحكمة الإدارية العليا يرسي قاعدة خطيرة عبر السماح بعودة الضباط الملتحين إلى الخدمة حتى بعدما كشفوا عما اعتبره «انتماءً دينياً... (بما يهدد) تماسك الوحدة الوطنية، ويؤدي إلى إحداث حالة من الارتباك بين نسيجي الشعب المصري واختراق النظام الأمني المصري». وشدد سالم على أنّ بقاء هولاء الضباط بجهاز الشرطة يهدد «مدنية الدولة المصرية».
جدير بالذكر أنّ العميد الأسبق لكلية الحقوق في جامعة القاهرة محمود كبيش، كان قد أوضح في حديث متلفز أنّ حكم المحكمة الإدارية العليا «نهائي وبات»، مضيفاً أنّ «عودة الضباط إلى مناصبهم تعني استفادتهم من مناصبهم طوال الشهور الماضية تماماً كما لو لم يتم إعفاؤهم». وفي سياق محاولته تأطير الجدال حول حكم «الإدارية»، أضاف كبيش أنّه «إذا ثبت أن أحد هؤلاء الأشخاص يرتكب ما يمكن أن يحاسب عليه كجريمة فهذا أمر آخر، أما المحكمة فترى أن سلوك تربية اللحية لا يستوجب عزله من مهنته»، مشدداً على أنّ لكل وظيفة قواعدها، فيما تراقب «الإدارية» مشروعية القرار وتنظر أيضاً إلى «المغالاة في الجزاء: هل هذه المخالفة تستوجب العزل؟».