بعد مرور أكثر من أسبوع على وصوله إلى الرياض، مُكلَّفاً من الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، برئاسة اللجنة الخاصة لدراسة مبادرة المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، بشأن مدينة الحديدة، سلّم رئيس حكومة هادي، أحمد عبيد بن دغر، مندوب المنظمة الدولية ردّ «الشرعية» بهذا الشأن. ولئن بدا لافتاً أن ما نُشر رسمياً بخصوص لقاء بن دغر - غريفيث لم يكرّر اللازمة المعتادة عن ضرورة «انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة ومينائها» بل تضمّن التذكير بأطر عامة، إلا أن ذلك قد لا يعني شيئاً في ظل التشاؤم الذي أبدته حركة «أنصار الله» بجهود المبعوث الأممي، وخشيتها من أن ينزلق إلى ما تورّط فيه سلفه من «توقف عند جزئية الحديدة لأكثر من عام ونصف عام».واجتمع غريفيث، أمس، في الرياض، برئيس حكومة هادي الذي «سلّمه ردود الحكومة اليمنية بشأن مقترحاته المتعلقة بالوضع في مدينة الحديدة» بحسب ما أفادت به وكالة «سبأ» التابعة لـ«الشرعية». ونقلت الوكالة عن بن دغر تشديده على ضرورة «التزام الميليشيا الحوثية الانسحاب الكامل من العاصمة صنعاء والمدن، وتسليم السلاح للدولة، وعودة السلطة الشرعية». كذلك نقلت عنه دعوته إلى «إبداء حسن النية قبل بدء أي مشاورات قادمة، وذلك من خلال إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية». هذا الموقفان، اللذان يُعدّان الأبرز والأهم من بين ما سُجّل خلال اللقاء، يمكن اعتبارهما منطويين على مؤشرات إيجابية لسببين: أولهما أنهما لم يأتيا على ذكر الانسحاب من مدينة الحديدة، بل استرجعا بعضاً من البنود الأمنية في جدول الأعمال التفاوضي، التي لا يزال الخلاف قائماً حول أسبقيتها على الخطوات السياسية أو العكس. وثانيهما أنهما تطرقا إلى طبيعة الإجراءات العملية الواجب اتخاذها قبل الجلوس إلى طاولة الحوار (والتي تطالِب «أنصار الله» من جهتها بما يماثلها)، الأمر الذي يتسق مع ما كان قد أعلنه المبعوث الأممي في العاشر من الشهر الجاري (عقب زيارته عدن) من أولوية «التركيز على الجوانب الإنسانية».
على أن هذه البوادر التي يمكن استشفافها من مواقف رئيس حكومة هادي قد لا تعدو كونها إشارات إلى مساعٍ تبذلها «الشرعية» لاستدراك وضعها لدى الوسيط الأممي، في ظل توجّسها من انفتاح المنظمة الدولية ومعها عدد من الدول الأوروبية على «أنصار الله». في هذا الإطار، تتحدث مصادر مقربة من «الشرعية» عن مخاوف من أن يؤدي الهجوم المتواصل على الأمم المتحدة ومبعوثها، الذي كانت آخر تجلياته مقالاً نُشر في صحيفة رسمية وصف غريفيث بأنه «الوجه الأقبح في المؤسسة الدولية»، إلى تغذية التوتر القائم أصلاً بين الجانبين، وفي المقابل تعزيز التواصل مع «أنصار الله». ورغم ما تحمله هواجس «الشرعية» ومحاولتها معالجة الأزمة (التي لعب - بحسب المصادر نفسها - «التوجه العدائي» لوزير خارجية حكومة هادي الجديد، خالد اليماني، دوراً في تأجيجها) من دلالة، إلا أن ذلك يظلّ لعباً في الوقت الضائع في انتظار ما ستفسر عنه الجهود الاستطلاعية التي تبذلها الإمارات بوصفها قائدة معركة الحديدة، وما ستدفع إليه من تهدئة أو تصعيد. وريثما يتبيّن مآل التحركات الإماراتية، ومعه نتيجة جردة الحسابات السعودية، تبقى المراوحة مسيطرة على المسار السياسي.
باتت «الشرعية» تتوجّس من الانفتاح الأممي والأوروبي على «أنصار الله»


مراوحة يملأ «التحالف» الفراغ الناجم عنها بالحديث المُكرّر عن «عمليات محسوبة»، وفسح في المجال أمام الجهود الأممية. وتمثلت آخر فصول ذلك الحديث في ما صرّح به، أمس، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حيث قال: «(إننا) ننتظر جهود المبعوث الأممي نحو تحقيق انسحاب حوثي من الحديدة... ودون ذلك فإن تحرير الحديدة قادم»، مُجدّداً تبريره الجمود المسيطر على العمليات بأن «الميليشيات تتمترس في وسط سكاني»، وبأن «التحالف كان أكثر فطنة في مراعاته للجوانب الإنسانية والمدنية»، وهو تبرير تجد فيه «أنصار الله» سبيلاً للتغطية على «الفشل الواسع، وافتقاد الرؤية العسكرية والسياسية» على حد تعبير الناطق باسم الحركة، محمد عبد السلام، تماماً مثلما ترى في محاولة «التحالف» تعليق الإخفاق والعمل الجاري على التخلص منه على شمّاعة الجهود الأممية «هروباً إلى الأمام، لأن العدوان يعتقد أن أي وقف للحرب حالياً يُعدّ هزيمة مكتملة الأركان». انطلاقاً من ذلك، أكد عبد السلام، في مقابلة صحافية نُشرت أمس، أن «توجه العدوان هو الاستمرار في العدوان والحصار»، وأنه «لا يوجد حالياً أي حديث جدي عن أي جولة من المشاورات». وأشار إلى أن المبعوث الأممي الجديد «لم يستطع أن يقدم شيئاً ملموساً حتى اللحظة منذ تعيينه»، موضحاً أن «جهوده اصطدمت بتعنت دول التحالف»، مشدداً على ضرورة أن يدرك غريفيث أن «الحلول الجزئية لا يمكن أن تمثل أي نقطة تحول في الاتجاه السياسي». ولفت إلى «(أننا) نلتقي بعشرات السفراء ومندوبي الدول»، معتبراً أن «الموقف الوطني أصبح له حضوره وكلمته لدى كل الأطراف الدولية من خلال تواصل شبه يومي».
تواصل تمثّلت أحدث حلقاته أمس في لقاء جمع في صنعاء السفير الفرنسي لدى اليمن، كريستيان تيستو، برئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، الذي سلّمه رسالة إلى رئيس بلاده، إيمانويل ماكرون. وأمل المشاط، خلال اللقاء، أن «تراجع الحكومة الفرنسية حساباتها»، وأن «تضطلع بدور في إحلال السلام»، مبدياً «الجاهزية لتسهيل أي مساعٍ فرنسية من شأنها دعم المسار السياسي». وقال تيستو، من جهته، إن «فرنسا تتأذى من الحرب لإن إحدى عواقبها توسع نفوذ القاعدة وداعش»، مضيفاً: «(إننا) أخبرنا السعوديين والإماراتيين بأن الحديدة خط أحمر».
(الأخبار)