الرباط | منذ تنصيب النسخة الثانية من الحكومة المغربية بعد تحالف وصفه المراقبون بـ «زواج متعة» بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي والتجمع الوطني للأحرار المقرب من السلطة، لم تهدأ الحرب الكلامية بين الإسلاميين، الذين يقودون الحكومة ومعارضيهم، حيث خيمت الاتهامات والاتهامات المضادة على المشهد السياسي المغربي طيلة الأشهر الماضية.
وجاءت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، في آخر أيام السنة الماضية أمام البرلمان، لتفيض كأس المواجهة بين الطرفين، حينما وجّه بنكيران اتهامات إلى أعضاء في حزب الاستقلال المنسحب من الحكومة بتهريب أموال طائلة خارج المغرب، مشيراً على نحو مبطن إلى الوزيرة السابقة القيادية في حزب الاستقلال ياسمينة بادو، وامتلاكها شقتين في العاصمة الفرنسية باريس على نحو غير قانوني.
هذه الاتهامات اضطرت حزب الاستقلال، حليف الأمس، إلى إعلان رفع دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة من أجل تهم «القذف.. وعدم الإشعار بجناية مرتكبة»، متّهماً رئيس الحكومة بالتستر على المفسدين ورفضه الكشف عن لوائح مهربي الأموال خارج البلاد.
اتهامات بنكيران، التي وُصِفَت بـ «القنبلة»، مثلت نقطة فاصلة في انتقال الصراع بين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال إلى مستوى آخر من التصعيد بعد وصوله إلى القضاء، وهي سابقة تقع لأول مرة، حيث ذهب الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، إلى حد المطالبة بحل حزب العدالة والتنمية لارتباطاته هو وجناحه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
ووصف شباط ممارسات رئيس الحكومة بأنها شبيهة بتصرفات رجب طيب أردوغان في تركيا، ومحمد مرسي في مصر، وراشد الغنوشي في تونس، مضيفاً أن بنكيران يسعى إلى «شيطنة المعارضة» والتفريق بينها لأنه يؤمن فقط بالتبعية المطلقة أو الابتزاز.
واتهم الأمين العام لحزب الاستقلال، بنكيران، بتجاوز اختصاصاته والمسّ بمبدأ دستوري ثابت وهو الفصل بين السلط.
في السياق ذاته خرج التنسيق السياسي المعارض الذي يضم حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بلهجة حادة تجاه «العدالة والتنمية» خلال التجمع الخطابي الذي جمع أنصارهما لمناسبة الاحتفال بذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، إذ جدد الحزبان اتهامهما له بقيادة المغرب نحو المجهول، وإعادته إلى عهد التسلط والطغيان الذي ساد في الماضي.
يأتي هذا في وقت لا يبدو أن العلاقة بين «العدالة والتنمية» وحليفه داخل الحكومة «التقدم والاشتراكية» في أفضل حالاتها، بسبب اختلافات كبيرة بين الحزبين حول تدبير عدد من الملفات من قبيل: الإعدام، كفالة الأطفال المهملين، وتحديد سن الزواج، رغم تأكيد قادة الحزب الشيوعي السابق حرصهم على التماسك الحكومي وعدم وجود أي نية لديهم لإطاحة الحكومة.
في المقابل، يبدو المشهد بالنسبة إلى إسلاميي المغرب، الذين يقودون الحكومة، مُعاداً، فبالنسبة إليهم هناك من يحاول أن يستنسخ التجربتين المصرية أو التونسية، ودفعهم خارج لعبة السلطة بكل الوسائل الممكنة.
القيادي في حزب العدالة والتنمية خالد الرحموني، كتب معلّقاً على الانتقادات الموجهة إلى التجربة الحكومية التي يقودها حزبه: «بعد ما يقارب عامين على انطلاق مبادرة الإصلاحات الكبرى، التي بدأت في تحريك الجمود المستطيل، صحا البعض على مخالفة خصومهم، وقرروا استدعاءهم للمحاكمة، واعتقد ان هذه الخطوة هي اكبر خدمة يقدمها جزء من المعارضة البرلمانية لمبادرات الاصلاح السياسي ولشعبية الحكومة الثانية».
مثل هذه التصريحات، التي أريد لها أن تؤثت الفضاء العام وتؤطّر المشهد السياسي لما بعد الحكومة الجديدة، ترمي إلى تحريف الصراع من اجل الديموقراطية إلى خدمة برنامج لتفكيك المجتمع وبث الشقاق بين مكوناته الفكرية والسياسية.
برغم ذلك ظهر أن بنكيران وضع نفسه في ورطة كبيرة جرّت عليه انتقادات حتى من أعضاء حزبه، الذين رأوا أن زعيمهم أساء التقدير حينما أطلق اتهاماته من دون أن يأتي بأدّلة، فاتحاً عليهم بالتالي جبهة معركة جديدة قد تستنزف منهم الكثير من الجهد والوقت، إذ نقلت مصادر مقربة من الحزب الإسلامي أن الاجتماع الأخير للأمانة العامة، شهد توجيه ملاحظات إلى بنكيران حول الطريقة التي استعملها للرد على استفزازات معارضيه.