لا يبدو أن الإجراءات المستعجَلة التي اتخذتها، أخيراً، حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، ومعها الخطوات السعودية الجديدة في الاتجاه نفسه، ستفلح في كبح فورة الغضب الشعبي في مدينة عدن (جنوباً) على تردي الأوضاع المعيشية، والانهيار المتواصل في سعر العملة اليمنية. إذ يستشعر أهالي المدينة، الذين باتوا يخرجون في تظاهرات شبه يومية احتجاجاً على سياسات حكومة هادي وممارسات «التحالف»، أن تلك الخطوات «العلاجية» لا تعدو كونها مُخدِّراً لتسكين السخط، لن ينفع في تطويق جذور الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وإيقاف الانحدار المتسارع منذ أُعلن عمّا سُمّي «تحرير» عدن وبقية المحافظات المجاورة لها.يوم أمس، شهدت مديرية المعلا في محافظة عدن تظاهرة حاشدة، استمراراً لسلسلة تحركات تصاعدت وتيرتها منذ أواخر الأسبوع الماضي. ورفع المشاركون في التظاهرة شعارات مُندّدة بارتفاع الأسعار وتهاوي الريال اليمني إلى مستويات غير مسبوقة بلغت خلال الساعات الأخيرة 560 ريالاً للدولار الواحد. وكانت المعلا، ومعها مديريتا الشيخ عثمان ودار سعد، شهدت في الأيام القليلة الفائتة احتجاجات مماثلة، بدا لافتاً أن المشاركين فيها لم يَقْصروا هتافاتهم الغاضبة على جهة بعينها من بين الجهات المتصارعة على النفوذ في عدن، بل وزّعوها في أنحاء متضادة من بينها «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي الذي يحاول ركوب موجة الاحتجاجات، وتجييرها لمصلحة تحقيق أهدافه السياسية.
هذا الغضب لم تجد حكومة أحمد عبيد بن دغر إزاءه إلا اجترار سياستها المكرورة في «معالجة الداء بالداء». نموذج من ذلك إقدامها، مساء الاثنين، على نشر صور لأوراق نقدية جديدة تعتزم ضخها في السوق خلال الفترة المقبلة، بعدما عمدت إلى طباعتها أخيراً من دون غطاء. خطوة يرى فيها خبراء اقتصاديون إمعاناً في إغراق الأسواق بكتل إضافية من العملة المطبوعة، في استمرار للإدارة العشوائية لعمليات البنك المركزي. وترافقت تلك الخطوة مع استئناف حملة لإغلاق محلات الصرافة العاملة من دون ترخيص، توازياً مع إغلاق محالّ تجارية تبيع بضاعتها بأسعار مبالغ فيها. لكن الإجراءات المتقدمة وغيرها لم تفلح في وقف تدهور سعر صرف العملة اليمنية، والذي دفع بكبرى شركات الصرافة في عدن («عدن للصرافة») إلى إعلان إضراب عن العمل يومي الثلاثاء والأربعاء، لتبادر على إثرها شركات أخرى (من بينها «العمقي وإخوانه للصرافة») إلى إغلاق فروعها في جميع المناطق اليمنية.
أعلنت كبرى شركات الصرافة في عدن إضرابها عن العمل ليومين


عجز حكومة بن دغر عن تدارك الأزمة المتفاقمة في ما تُسمّى «المحافظات المحرّرة»، دفع السعودية إلى المسارعة في محاولة إنجادها. إذ أعلن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، أول من أمس، عن توجيهات ملكية بـ«منح محطات الكهرباء في الجمهورية اليمنية مشتقات نفطية بقيمة 60 مليون دولار لتشغيلها على مدار الساعة». وقال آل جابر إن هذه «المنحة ستساهم في شكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي في اليمن، وتعزيز سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الصعبة». لكن، وعلى ضوء التجارب «الإنقاذية» السابقة مع السعودية، يمكن القول إن «المكرمة» الجديدة قد لا تكون أكثر من «حركة إعلامية» لكبح جماح السخط الأهلي المتصاعد. وما المصير الذي آلت إليه وديعة المليارَي دولار التي أعلنت الرياض تقديمها لـ«مركزي عدن» في شباط/ فبراير الماضي إلا دليل واضح على صحة ذلك التقدير؛ إذ لا تزال الوديعة المذكورة مُجمّدةً، بعدما عمدت المملكة إلى تقييدها بسلسلة شروط حالت دون استخدامها في تحسين القيمة الشرائية للريال اليمني. حقيقة ذكّر بها أمس رئيس «اللجنة الثورية العليا» التابعة لـ«أنصار الله» محمد علي الحوثي، قائلاً في تعليقه على «منحة المشتقات النفطية» إن «السعودية تمارس الكذب على الشعب اليمني دبلوماسياً، وتبيع الوهم في تصريحات جوفاء غير صحيحة».
إزاء تلك المعطيات، تظهر الاحتجاجات الشعبية في عدن مُرشّحةً للاستمرار والتصاعد، خصوصاً أن المشاركين فيها يؤكدون مضيّهم في تحركاتهم حتى تحقيق مطالبهم، فضلاً عن أن خطواتهم ترفدها خطوات مماثلة في بقية المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها حضرموت وشبوة والضالع. ومن هنا، يرى البعض في الموجة الجديدة من الاحتجاجات «الشرارة الأولى لبداية موجة غضب ستلتهم الغزاة وتدحض مشاريعهم الهدامة» على حد تعبير محافظ عدن المعيّن من قبل حكومة الإنقاذ في صنعاء، طارق مصطفى سلام. لكن التحركات، التي لم تأتِ هذه المرة استجابة لدعوات كيانات سياسية، تبدو محفوفة بخطر الالتفاف عليها من قبل التشكيلات الموالية لأبو ظبي، والتي ترتفع الأصوات المضادة لها هي الأخرى، مع تزايد أعداد القتلى المتحدرين من المحافظات الجنوبية في معارك الساحل الغربي، ووقوع آخرين أسرى بيد «أنصار الله»، مثلما أظهرت مشاهد نُشرت أول من أمس لعملية الاستدراج الأخيرة في مديرية الدريهمي (جنوب مدينة الحديدة). وعلى رغم ما تؤكده الحقائق المتقدمة من هشاشة وتضاؤل نفوذ يضربان «الانتقالي»، إلا أن الأخير لا يزال «يسعى لركوب الموج، وتزعم الاحتجاجات الشعبية في مدينة عدن بهدف تحريكها بالشكل الذي يحقق أهداف المحتل» وفق ما حذر منه أمس طارق سلام، مُشدداً على «ضرورة حماية المدنيين من الأخطار التي قد يواجهونها بسبب استبداد قوى المحتل وأدواته».