الجزائر | لا يمكن في الجزائر أن يقترب موعد انتخابي دون إثارة النقاش حول دور المؤسسة العسكرية، رغم إصرار الجيش على أنه غير معني تماماً بالسياسة ويركز على مهماته الدستورية فقط. ويشتد الحديث أكثر في ذكرى 20 آب من كل سنة، وهو التاريخ الذي أقرّ فيه قادة الثورة الجزائرية مبدأ «أولوية السياسي على العسكري» في تصورهم لسير الدولة الجزائرية.تتعدد التأويلات هذه الأيام حول المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالانتخابات الرئاسية المرتقبة ربيع العام المقبل، وهي ظاهرة مألوفة في البلاد بسبب طبيعة النظام السياسي والسوابق التاريخية التي جعلت من الجيش من حيث لا يريد أحياناً فاعلاً رئيسياً في المشهد السياسي. وفي دليل على ذلك، أخذت القرارات الأخيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إقالة ضباط كبار في الجيش، منحىً سياسياً بامتياز عند أغلب القراءات، إذ ربطت مباشرة ببدء الترتيبات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية.
فمثلاً، شهد الأسبوع الأخير إقالة قائدي الناحية العسكرية الأولى، اللواء لحبيب شنتوف (وسط البلاد)، والناحية العسكرية الثانية سعيد باي (غرب البلاد)، وهما من كبار ضباط المؤسسة العسكرية، ومن المؤثرين في صناعة القرار فيها على مدار السنوات التي شهدت فيها البلاد مواجهة عنيفة مع التنظيمات الإرهابية. وسبقت هذه الإقالات أيضاً إطاحة اللواء نوبة مناد، وهو قائد جهاز الدرك الوطني، واللواء عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، كذلك استُبدل لواء كبير في وزارة الدفاع الوطني.
ومن بين أكثر القرارات التي تداولها محللون سياسيون، أن إقالة هؤلاء الضباط، خاصة قائدي الناحية العسكرية الأولى والثانية، تُضعف سلطة الرئاسة على الجيش، على أساس أن اللواءين شنتوف وباي محسوبان على الرئيس بوتفليقة. في المقابل، هذه الإقالات، إذا صحّت هذه القراءة، تقوّي سلطة قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الرجل القوي في النظام حالياً. وهذا ما يضعف وفق أصحاب هذه النظرة فرضية ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
لكن، ترى قراءات أخرى أن هذه التفسيرات تبقى مجرد تأويلات لا تستند إلى أي دليل، إذ إن إقالة الضباط السامين تبقى من صميم صلاحيات الرئيس الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي الوقت نفسه هو وزير الدفاع الوطني، ولا يوجد ما يحمله على استعمال صلاحياته لإضعاف محيطه. فضلاً عن ذلك، لا توجد أي مؤشرات حالياً توحي أن ثمة خلافات بين قيادة الجيش والرئاسة، بل على العكس، يصر صالح في كل تدخلاته على الثناء على بوتفليقة والتذكير بأن الجيش يعمل تحت توصياته وإرشاداته، كذلك لا يظهر ما يدل على أن قائد الأركان ليس موافقاً على ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، فهو يصر دائماً على أن الجيش ينأى بنفسه عن السياسة كلّما دعاه سياسيون إلى دور معين لمصلحة التغيير في البلاد.
وكان أبرز سجال في الأسابيع الأخيرة، دعوة رئيس حركة «مجتمع السلم» (إسلامي التوجه)، عبد الرزاق مقري، الجيش إلى المساهمة في الانتقال الديموقراطي للبلاد وإنجاحه، وهو ما قابله قائد الأركان بردٍّ عنيف، إذ اتهم السياسيين بمحاولة جرّ الجيش بسبب فشلهم في الاهتمام بطموحات الجزائريين وتطلعاتهم. وفُهم ذلك الرد بأن المؤسسة العسكرية لا تعترض على ترشح الرئيس لولاية جديدة، على أساس أن مبادرة «مجتمع السلم» تحمل في باطنها رفضاً لاستمرار بوتفليقة في الحكم.
وبشأن إقالة هؤلاء الضباط، قال ناصر حمدادوش، وهو عضو المكتب السياسي لـ«مجتمع السلم»، إن حزبه يتمنى أن «تكون هذه التغييرات في إطار عصرنة وتحديث واحترافية الجيش، وأن تكون في إطار المسار المهني لقيادات المؤسسة، وأن تفرض سيادة القانون على الجميع بعيداً عن أي نوع من التوازنات أو الحسابات أو الولاءات». وقال حمدادوش لـ«الأخبار»، إنه «لا يشرف المؤسسة العسكرية أن تكون هناك قراءات لهذه التغييرات أنها مرتبطة باستحقاقات مقبلة، أو أنها تصفية حسابات، أو خاضعة لمنطق لا ينسجم مع احترافية الجيش، لأنّ الأصل في المؤسسة العسكرية أنها بعيدةٌ عن الصراعات والمناكفات السياسية، كما صرح بذلك قائد الأركان أخيراً». لكن النائب البرلماني تأسف لكون «وزير الدفاع والوزارة لا يخضعان للرقابة البرلمانية»، مضيفاً: «لم نشهد حتى الآن حضور وزير الدفاع لجلسات البرلمان».
مع ذلك، ترفض غالبية أحزاب المعارضة تصديق أن الجيش منسحب من السياسة، إذ ردّ زعيم «جبهة العدالة والتنمية»، عبد الله جاب الله، على تصريحات قائد الأركان، بالقول إن كلام الأخير «ينافي الواقع والتاريخ». أما «جبهة القوى الاشتراكية»، فذكرت على لسان قيادي فيها هو علي العسكري، أن الجيش يمتلك السلطة ويتحكم بصلاحيات النظام، وذلك خلال احتفالاتها بذكرى «مؤتمر الصومام» الذي انعقد في 20 آب 1956، وخلاله وُضع تنظيم للثورة الجزائرية وإعداد تصور لشكل الدولة الجزائرية وكيفية تسييرها. كذلك جددت الجبهة عزمها على «النضال من أجل تحقق مبدأ أولوية السياسي على العسكري»، الذي كُرِّس في ذلك المؤتمر.