الرباط | بعد مضي أكثر من 12 سنة من الجمود، التأمت لجنة القدس المنبثقة من المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في جدة سنة 1975، وهذه المرة بدعوة من الملك المغربي محمد السادس، في مدينة مراكش، نهاية الأسبوع الماضي بحضور الرئيس الفلسطيني ووزراء خارجية نحو 15 دولة.
آخر اجتماع للجنة التي يرأسها المغرب يعود إلى سنة 2002، ومنذ ذلك التاريخ لم تعقد اللجنة أي اجتماع، وظلت ذراعها المالية وكالة بيت مال القدس، التي أعلن تأسيسها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1998، الأكثر نشاطاً بدعمها وتمويلها لعدد من المشاريع والبرامج في القدس المحتلة.
هذا الفتور في عمل اللجنة هو ما جرّ على النظام المغربي سيلاً من الانتقادات المُبطّنة من عدد الدول التي عبّرت في أكثر من مرة عن امتعاضها من تجميد المغرب للجنة، ولمّحت إلى وجوب سحب رئاستها منه بسبب عدم فاعلية رئيسها الذي لم يُبدِ أي رد فعل تجاه مخططات تهويد القدس، في وقت تعيش فيه القضية الفلسطينية لحظات عصيبة.
وظهر كأن المسؤولين في الرباط كانوا أكثر انشغالاً بترتيب البيت الداخلي في المغرب من تطورات الوضع في فلسطين، لذلك رأى كثير من المراقبين أن عودة المغرب إلى الواجهة هي محاولة لتدارك الأمر وقطع الطريق على دول أخرى كانت تقود مساعي لنزع القيادة من الرباط. وهو ما يفسّر، بحسب المصادر نفسها، تذكير الملك المغربي في كلمته الافتتاحية بمنجزات اللجنة التي يرأسها بقوله «إن حماية المدينة المقدسة من مخططات التهويد، ودعم المرابطين بها، لن يتأتى بالشعارات الفارغة، أو باستغلال هذه القضية النبيلة كوسيلة للمزايدات العقيمة».
لوضع رد الفعل الرسمي المغربي في سياقه، علينا أن نتذكر تسلسل مجموعة من الأحداث التي وقعت خلال الأشهر الماضية والتي انتقدت ما رأت فيه تقاعساً مغربياً وردود فعل ضعيفة لا تتناسب وخطورة ما تجتازه فلسطين من انتهاكات. قبل سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، انتقد القيادي الإخواني عصام العريان، أنذاك دور لجنة القدس، قائلاً في أحد اجتماعات مجلس الشورى المصري المنُحَل إن اللجنة لم تقدّم شيئاً للقضية الفلسطينية، رغم رئاسة ملك شاب لها. ولمّح العريان إلى وجوب أن تؤدي مصر دوراً أكبر في هذا الإطار؛ إذ قرأ المغرب في ذلك محاولة من قادة مصر الجدد لتبخيس الدور المغربي واستغلال القضية الفلسطينية خدمة لأجندات مذهبية.
بعدها ستدخل الجارة الجزائر، غريمة المغرب سياسياً، على الخط، حينما طالب وزير في الحكومة الجزائرية بتنشيط لجنة القدس، وإلى مزيد من التنسيق من أجل «الحد من الآثار المأسوية» للسياسات الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام رسمية مغربية في ذلك الوقت مزايدة جزائرية ترمي إلى تجاوز لجنة القدس.
بدورها كانت قطر قد لمّحت في أكثر من مرة إلى استعدادها لخلافة المغرب في رئاسة اللجنة، حيث كانت الدوحة قد احتضنت قبل سنتين مؤتمراً دولياً للدفاع عن المدينة المحتلة، ودعت فيه إلى إعداد استراتيجية للمشاريع التي تحتاجها المدينة، معبرة في نفس الوقت عن استعدادها للإسهام في ذلك.
كذلك بادرت الإمارة النفطية إلى خلق صندوق لدعم القدس، وهو ما عُدّ محاولة لاستنساخ ومنافسة الصندوق المغربي المسمى «بيت مال القدس» الذي طُرِحت علامات استفهام عديدة حول طريقة صرف أمواله.
وستتوالى التصريحات التي تدعم هذه الفكرة من الداخل الفلسطيني بنحو مزعج بالنسبة إلى الرباط، التي كانت تحاول دائماً تسويق صورة الداعم الأول للمقدسيين، حيث نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر، في شهر أيار من السنة الماضية قوله «إن لجنة القدس، لجنة محنّطة ولا دور لها على أرض الواقع، ولا تقدّم شيئاً للمقدسيين سوى مشاريع لا دور ولا قيمة لها».
رد الخارجية المغربية جاء قوياً، فوصف موقف العريان بأنه «إنكار غير مسؤول» للجهود المغربية. موقف أيّدته السلطة الفلسطينية، المُتماهية مع تصور الرباط لمستقبل القضية الفلسطينية الداعم لفكرة السلام والتفاوض مع الإسرائيليين. غير أن السلطة الفلسطينية ظهرت غير قادرة على ما يبدو على لجم ألسنة ديبلوماسييها؛ إذ سببت تصريحات للسفير الفلسطيني السابق في المغرب أحمد صبح، أزمة ديبلوماسية بين المغرب والسلطة الفلسطينية بعد أن طالب المسؤول الفلسطيني هو الآخر بتفعيل لجنة القدس لإيقاف الخروق المُرتَكبة من طرف إسرائيل. صدر الرباط لم يكن رحباً في تقبل العتب الخفيف الصادر عن السفير الفلسطيني، حيث عدّته تجاوزاً للأعراف الديبلوماسية وتصرّفاً غير مقبول، قامت على إثره بإبلاغه بأنه أصبح غير مرغوب فيه في البلاد لتظل السفارة الفلسطينية في الرباط بموجب هذا القرار شاغرة لمدة أسبوعين لأول مرة منذ اعتراف المغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1974 ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
ولم تعد المياه إلى مجاريها بين القيادة الفلسطينية والمغربية إلا بعد أن بعث أبو مازن بشخصية رفيعة المستوى إلى الرباط قامت باحتواء الأزمة، واتفق بموجبها على أن يعود السفير الفلسطيني لاستكمال ما بقي من ولايته قبل تعويضه بالسفير الحالي محمد أبو حصيرة، وهو موقف يكشف حساسية الرباط تجاه أي تشكيك في جهودها.
لذلك، إن العودة المغربية لأخذ زمام المبادرة إقليمياً، جاءت كنوع من رد الاعتبار الشخصي بالنسبة إلى النظام المغربي، فالبوابة الفلسطينية كانت دائماً مناسبة سانحة لصنع عذرية سياسية، سواء على المستوى الداخلي أو حتى الخارجي والحصول بالتالي على المزيد من التعاطف الشعبي.
ويظهر أن السلطة في المغرب عادت لتراهن على فلسطين من جديد محاولةً تعويض ما فاتها في السنوات الماضية جرّاء انكفائها على نفسها، واتّباعها سياسة النأي بالنفس عن الخوض في قضايا المنطقة؛ إذ يمكننا أن نقرأ من كلمة الملك المغربي دفاعاً عن نفسه في وجه الانتقادات الموجهة إليه حينما قال إن «رئاسة لجنة القدس ليست حظوة أو جاهاً، بل أمانة عظمى ومسؤولية كبرى. منذ آخر دورة للجنة، لم نقف مكتوفي الأيدي. ذلك أن قضية القدس أمانة على عاتقنا جميعاً، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية».
على أرض الواقع، لم يكن المغرب الرسمي أحد المتحمّسين لفكرة «المقاومة المسلحة» الفلسطينية ورفض الاعتراف بإسرائيل ومفاوضتها؛ إذ يعتبر المغرب منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني أحد الداعمين الأقوياء لما أطلق عليه «عملية السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويتذكر الجميع استقبال الحسن الثاني للرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز في مدينة إفران سنة 1986 بشكل علني وقبله وزير الدفاع الراحل موشي ديان، ودعمه بعد ذلك للجهود التي أفضت إلى توقيع اتفاق «أوسلو» سنة 1993.
فقد كان الحسن الثاني يرى أن الزعماء العرب غير فعّالين لأنهم لا يتعاملون مع إسرائيل كواقع ويرفضون الحوار معها، ويبدو أن خلفه يسير على نفس الطريق من خلال تأكيده دعم مسار المفاوضات الجديد الذي يقوده وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري. يأتي هذا في الوقت الذي ينتظر أن تدفع فيه الضغوط الخارجية المغرب إلى سحب مشروع قانون تدعمه أربعة أحزاب سياسية يناهض التطبيع مع إسرائيل من أمام البرلمان المغربي.




مؤتمر تونس يطالب بحي المغاربة

طالب المشاركون في المؤتمر المغاربي الثاني لنصرة القدس الذي انعقد في تونس أول من أمس بـ«العمل على استرداد حي المغاربة» الملاصق للمسجد الأقصى في القدس المحتلة، في سياق سعي أشمل لتحرير فلسطين وفك الحصار عن غزة.
وقال مصدر مسؤول في المركز المغاربي للتنمية المقدسية (تونسي غير حكومي)، الذي ينظم المؤتمر، إن «حي المغاربة وقف أوقفه صلاح الدين لمن شارك في تحرير القدس من الجنود المغاربة، ولدى المركز وثائق تثبت أحقية المغاربة بالحي الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي عام 1967».
وشارك في المؤتمر، في ضاحية «قمرت» (على الساحل الشرقي لتونس)، وفود من الجزائر، ليبيا، موريتانيا، السنغال، المغرب، فلسطين، إلى جانب أسرى محررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحسب إلهام النجار، مسؤولة العلاقات الخارجية في المركز.
(الأناضول)